تقر وفود الدول الأعضاء في منظمة التجارة أن لا شيء ملموسا سيصدر في مؤتمر نيروبي المقبل في (ديسمبر)، بل سيتضمن البيان الوزاري «صيغة مرقعة» من التقدم والنكوص الذي تم تحقيقه على مدى العامين الماضيين.
وبعد 20 عاما من تأسيس منظمة التجارة العالمية، لا يزال المفاوضون الدوليون يكافحون للحفاظ على مصداقية وأهمية النظام التجاري متعدد الأطراف، ولا يمكن ضمان هذه المصداقية بغير التوقيع على اتفاقيات تجارية عالمية في إطار جدول أعمال الدوحة، ولم يتم حتى الآن تحقيق واحدة منها.
ويواصل الأعضاء الـ 161 عدم التوافق، بل الاختلاف حول أفضل الطرق لاختتام مفاوضاتهم طويلة الأمد حول جولة الدوحة، ويبدو أنهم لم يقتربوا بعد من صياغة ضوابط جديدة حول تجارة المنتجات الزراعية، والسلع الصناعية والخدمات، رغم أنه لم يبق أمام المؤتمر الوزاري في نيروبي غير أقل من شهرين.
ومع غياب تحقيق اتفاقية واسعة النطاق هذا العام، يبدو أنه من المرجح على نحو متزايد أن الدول الأعضاء ستوافق على «صيغة خليطة مرقعة» من مختلف الاتفاقات التجارية، ومقترحات تتعلق بانضمام الدول الأعضاء، وبنود التجارة التفضيلية للدول النامية، لا أكثر من ذلك.
ويأمل المفاوضون التجاريون أن مثل هذه الصفقة، وهي في كل الأحوال ليست جوهر المفاوضات، ستكون هادفة وموضوعية ما يكفي لضمان اعتبار المؤتمر الوزاري العاشر في نيروبي خلال الفترة من 15 إلى 18 (ديسمبر) ناجحا بدلا من نكسة أخرى مخيبة للآمال لجدول أعمال جولة الدوحة للتنمية.
ولكن ماذا يعمل الوزراء منذ مؤتمر بالي (2013)، وماذا سيعملون خلال الـ 55 يوما المتبقية؟ والجواب أن الوقت محدود، والآمال ضئيلة، وأن المدير العام للمنظمة أقر في جنيف، ثم الرياض، ثم في جنيف مرة أخرى أنه يكاد أن يكون من المستحيل أن ينتج عن المؤتمر الوزاري في نيروبي اتفاق في القضايا الرئيسة التي تعوق جولة الدوحة.
و في هذا التقرير نستعرض بعض القضايا الرئيسة التي عناها المدير العام، التي من أبرزها معاهدة تقنية المعلومات حيث تعمل أكثر من 50 دولة عضوا في منظمة التجارة على اختتام اتفاقية تجارية نهائية لإلغاء التعريفات عن 201 منتج يتعلق بتقنية المعلومات تصل قيمة تجارتها إلى نحو 1.3 تريليون دولار في السنة، ومن شأنها أن تضيف ما يصل إلى 190 مليار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وفي (يوليو) الماضي، وافق الأعضاء على توسيع اتفاقية تقنية المعلومات المبرمة عام 1996 لتضمينها مجموعة واسعة من المنتجات الجديدة لتقنية الاتصالات، مثل أشباه الموصلات، المنتجات الطبية التي تشمل آلات التصوير بالرنين المغناطيسي، وأجهزة نظم تحديد المواقع الجغرافية، وأقمار الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومحركات الأقراص الثابتة، وغيرها.
ويساوم المفاوضون حاليا على حجم تنازل كل دولة إزاء التعريفات الجمركية، ووضع هذه التنازلات على شكل جداول من التعريفات الجمركية، والهدف العام للمفاوضين هو إمكانية إبرام الاتفاقية النهائية في نيروبي.
ويأمل أعضاء منظمة التجارة أن يكون هناك عددا كافيا من الأعضاء قد انتهى من المصادقة على اتفاقية تيسير التجارة، التي كانت العنصر الرئيس للبيان الختامي للمؤتمر الوزاري في بالي عام 2013.
وتسعى هذه الاتفاقية إلى تقليص المليارات من تكاليف التجارة العالمية بموجب بنودها التي تعطي تعليمات للدول الأعضاء لتحسين إجراءاتها الجمركية وتسريع حركة، إصدار وتخليص البضائع، ضمن التزامات أخرى.
وحتى الوقت الحاضر، فإن هناك 21 دولة عضوا في المنظمة، علاوة على الاتحاد الأوروبي (28 دولة) قد صادقت على الاتفاقية ليصبح المجموع 49 دولة، أو ما يعادل 45 بالمئة من العدد المطلوب لدخول الاتفاقية حيز النفاذ.
ولن تدخل الاتفاقية حيز النفاذ إلا بعد تقديم ثلثي الدول الأعضاء الـ 161، أي 107 دول وثائق مصادقتها، وهذا ما يسعى إليه روبرتو آزفيدو، المدير العام للمنظمة، كي يتم الإعلان عنها في نيروبي، لكن الأمل في الوصول إلى الثلثين لا يزال بعيدا جدا، وهذا ما دفع رئيس اتفاقية تيسير التجارة، الفلبيني إستيبان كونيخوس، إلى القول إن الوصول إلى الثلثين لا يمكن أن يتم قبل ربيع 2016.
وتلقت منظمة التجارة إشعارات من نحو 75 دولة بتطبيقها الاتفاقية في إطار الفئة (أي)، التي تحدد أوجه الاتفاقية التي يمكن للدول النامية والأقل نموا تنفيذها فور دخولها حيز النفاذ، فيما تعهدت الدول المتقدمة تنفيذ بنود الاتفاقية كافة فور دخولها حيز النفاذ.
ويسعى أعضاء منظمة التجارة إلى صياغة اتفاقية في نيروبي لتقليص أو إلغاء معونات الصادرات تمشيا مع مسودة منقحة لاتفاق غير رسمي تم التوصل إليه عام 2008 يتعلق بالزراعة.
وتغطي مناقشات الأعضاء حول هذه الاتفاقية الممارسات التجارية المتعلقة بمعونات الصادرات، وائتمانات الصادرات، وضمانات الائتمان أو ما يطلق عليه «برامج التأمين»، ومساعدات الغذاء الدولية (هل تدخل المساعدات الغذائية التي تقدمها الدول في حالات الكوارث والحروب ضمن المعونات، أم لا؟)، والصادرات الزراعية التي تقوم بها المؤسسات التجارية المملوكة من قبل الدولة.
وعموما، فإن الدول الأعضاء تعتبر مفاوضات المنافسة التصديرية أكثر استقرارا من أي عمود آخر من أعمدة المفاوضات المتعددة، ويعود ذلك أساسا إلى أن الدول الأعضاء قلصت بشكل عام معوناتها التصديرية إلى الصفر تقريبا، باستثناء عدد قليل من الأعضاء مثل كندا، والنرويج، وفنلندا. ولم يتضح حتى الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان ستساند إبرام اتفاقية حول المنافسة التصديرية في مؤتمر نيروبي، بسبب افتقار التقدم في المفاوضات الأخرى كالزراعة، وحرية الوصول إلى الأسواق غير الزراعية (ناما) والخدمات.
والتوجه العام هنا عموما أنه إذا ما تم إبرام اتفاق حول المنافسة التصديرية في نيروبي، فسيكون الاتفاق على أساس اتفاقية المؤتمر الوزاري في بالي التي أكدت ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في حالة استخدام أي شكل من أشكال المعونات للصادرات الزراعية، والعمل من أجل إلغاء مثل هذه المعونات.
وتعمل الدول الأعضاء على تقديم تنازلات للدول الأقل نموا بمنحها حرية الوصول التفضيلي إلى نطاق واسع من الخدمات المتصلة بالتجارة، بهدف تعزيز اتفاقية التنازلات التي تم تبنيها في الدوحة عام 2011، ولم يتم تطبيقها بشكل فعال.
وحتى الوقت الحاضر، ليس هناك أكثر من 36 دولة عضوا في منظمة التجارة، من بينها السعودية، وافقت على منح معاملة تفضيلية إلى الدول الـ 48 الأعضاء في المنظمة في قطاعات متعددة من الخدمات، وجاءت هذه التنازلات كجزء من قرار مؤتمر بالي الذي حث الدول الأعضاء لتقديم تنازلات للدول الأقل نموا لمدة 15 عاما.
وفي (يوليو) الماضي فقط، أبلغت 11 دولة مجلس التجارة في الخدمات نوعية الإجراءات التفضيلية التي ستمنحها للدول الأقل نموا. وعموما هناك 25 تنازلا مطروحة أمام الدول الأعضاء تقديمها مقسمة إلى فئات 1 و2 و3، لكن أغلب الدول وضعت قيودا في بعض القطاعات مثل تقنية المعلومات، والبناء، والخدمات المالية، من بين أخرى.
وتعمل الدول الأعضاء في منظمة التجارة أيضا على المصادقة على اتفاقية الأوجه التجارية لحقوق الملكية الفكرية (تربس) ذات العلاقة بالصحة العامة، التي من شأنها أن تزيد من فرص الدول الأقل نموا في الحصول على بعض الأدوية المحمية ببراءات الاختراع.
وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية قد تم تبنيها أصلا عام 2003، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى مصادقة ثلثي الدول الأعضاء كي تصبح نافذة المفعول، لكن الدول الصناعية الغنية بالمنتج الأساس للأدوية، لا تزال تمتنع عن المصادقة، وتمارس ضغوطا على دول نامية وأقل نموا في عدم المصادقة.