يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة إبراهيم مضف المضف و الشيخ مساعد بن عبد الله العازمي.

 المحسن إبراهيم مضف المضف 

المولد والنشأة
ولد المحسن إبراهيم مضف المضف عام 1267هـ، بين أسرة كريمة ميسورة الحال وترعرع في بيت رفيع المستوى فورث عن أسرته الجود والكرم، وعندما اشتد ساعده تعلم فنون الإبحار والتعامل مع البحر في غضبه ورضاه، فعمل ربانا للسفن التجارية ثم تاجر لؤلؤ، وبفضل الله تعالى ثم إيمانه وصدقه في معاملة الناس أنعم الله عليه بالثراء وزاد ماله بركة.
أنفق من ثروته على الناس مثلما أنفق على بيته وأولاده، إذا أعطى في وجه الخير أعطى بسخاء في السر والعلانية، امتلأ قلبه بالإيمان وعقله باليقين, فتسلح بإيمانه وعقله لمواجهة الشدائد، كان كريما إذا أعطى، عادلا إذا حكم، لبيبا إذا تحدث.
أوجه الإحسان في حياته
عاش إبراهيم مضف المضف حياته محسنا بماله ووقته وجهده لم يدخر وسعا في أي عمل ينفع الناس إلا وتقدم إليه طواعية فنال بذلك ثقة الناس واحترامهم، فقد أوقف الأرض الواقعة في جزيرة فيلكا على مسجد شعيب «وفق الحجية العدسانية الصادرة بتاريخ 14 ذي الحجة عام 1337 – ملف مسجد شعيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية»، كما ساهم في تأسيس مسجد المناعي بالشرق – قرب المدرسة الشرقية سابقا – وأوقف عليه عمارة له في السيف.
في مجال التعليم:
في ليلة 12 ربيع الأول سنة 1328 اجتمع كثير من الناس في ديوان الشيخ يوسف بن عيسى القناعي لسماع قصة المولد النبوي الشريف، ولما انتهى السارد من تلاوة السيرة الشريفة قام المرحوم السيد ياسين الطبطبائي وألقى في السامعين كلمة جاء فيها: «إنه لا يمكننا الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لم نعرف سيرته، ولا نعرف سيرته حق المعرفة حتى نتعلمها، ولا يمكننا أن نتعلم ما لم يكن لنا مدارس ومعلمون.. إذا فلنتعاون على فتح المدارس المفيدة»، فكتب الشيخ يوسف بن عيسى كلمة في صدر صحيفة طويلة بين فيها منافع العلم والتعليم ومضار الجهل وضلاله، ووقع تحتها بإمضائه متبرعا بخمسين روبية، ثم ذهب إلى أهل الخير يدعوهم للتبرع لبناء مدرسة، فكان إبراهيم المضف أول من تبرع له بمئة روبية، ثم زادها إلى خمسمائة بعدما تبرع لها شملان بن سيف وأولاد خالد الخضير، فتأسست المدرسة المباركية سنة 1330 هـ وسميت هكذا نسبة إلى حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح، فكان هذا الموقف النبيل من إبراهيم المضف، لدعم التعليم أحد أوجه الإحسان في حياته.
الفصل بين المتنازعين
أسند إليه حكام الكويت مهمة الفصل في الخلافات التي قد تنشأ بين العاملين في البحر من الغواصين والملاحين والربابنة، وكان ذلك شرفا عظيما يؤكد رجاحة عقله ومكانته في المجتمع. واستطاع أن يصرف أمور هذه المهمة بمفرده، فينصرف الخصمان وكل منهما راض بما حكم ثقة فيه واعتقادا بنزاهته حتى قال حاكم الكويت آنذاك الشيخ جابر المبارك رحمه الله: «إننا نعجب أن الخصمين ينصرفان معا وأحدهما راض والآخر ساخط، إلا أنك يا إبراهيم ينصرف الخصمان منك وهما راضيان بما حكمت..».
وهذه الشهادة العالية كافية بأن تعرف مقام هذا المصلح لدى أمراء البلاد ومواطنيه في وقته.
إطعام الفقراء وعابري السبيل:
اشتهر مجلس إبراهيم المضف باستقبال عابري السبيل المارين بالكويت أو القادمين إليها حيث يجدون كرم الضيافة، وحسن المقام، ويجدون حاجتهم دون اللجوء إلى مذلة السؤال، فكان ينفق على الفقراء والمحتاجين في السر والعلانية، وكان مجلسه يضم أهل الصلاح والإصلاح من شعب الكويت.
ضرب أروع مثل في الصبر على قضاء الله:
عرف إبراهيم المضف بالصبر والجلد عند الشدائد بدافع من إيمانه بالله تعالى فعندما جاءه نبأ غرق ولده عبد اللطيف وحفيدين له، تحلى بالإيمان ولم يجزع من قضاء الله، وأيضا عندما استشهد أولاده مضف وعثمان في معركة الصريف مارس 1901م واستشهاد ابنه مهلهل في معركة الجهراء التي وقعت في 14 سبتمبر 1920.
لقد كان إبراهيم المضيف في كل مصيبة من هذه المصائب العظمى الثلاث يستقبل المعزين بوجه لا أثر للحزن فيه، وبابتسامة تعبر عن ثقة المؤمن الموقن بأن المصائب لا حول لأحد في دفعها، فخير للمرء أن يصبر ويحتسب فيؤجر من الله، الذي بشر الصابرين في قوله تعالى:
«ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون». «سورة البقرة»
وفاته
توفي إبراهيم مضف المضف في عام 1345هـ الموافق 1927م وقد أشرف على الثمانين ومازالت ذكراه وأعماله الخيرة ومواقفه الإنسانية والوطنية أحاديث تتناقلها الأجيال.
 

الشيخ مساعد بن عبد الله العازمي

المولد والنشأة
ولد الشيخ مساعد بن عبد الله العازمي عام 1262هـ في البادية وعاش طفولته بدويا ثم جاء إلى الكويت، وقد شاهد علماء ومتعلمين ودورا لتعليم القرآن والحساب، فبدأ بتعلم القراءة والكتابة وسعى جاهدا في طلب العلم عند كل من يحسنه ولما بلغ العشرين من عمره ذهب إلى مكة حاجا وهناك تعرف إلى طلبة علم جاؤوا من مصر فصاحبهم وسافر بعدها إلى مصر في سنة 1885م تقريبا لطلب العلم حيث درس الفقه والنحو والعروض والتلقيح ضد الجدري ونال الشهادة العلمية من الأزهر الشريف سنة 1298هـ.
أوجه الإحسان في حياته
الذين نهجوا نهج الإصلاح كان لكل منهم وجهته، وأوجه الإصلاح كثيرة ولكل منهم زمانه وظروفه التي ساهمت في تحديد أوجه الإحسان والمحسن الشيخ مساعد بن عبد الله العازمي اتجه إلى الإصلاح ما استطاع ومن أبرز عطائه مداواة الناس من مرض عضال فتك بالكثيرين ولم تكن تعرف المنطقة له دواء.
يقول الشيخ عبد الله النوري في كتابه خالدون في تاريخ الكويت إن الشيخ مساعد بن عبد الله العازمي ذاق مرارة اليتم فمات أبواه بمرض الجدري فأراد الشيخ مساعد أن يسهم في درء هذا المرض الذي كان في ذلك الوقت ألد الأعداء وأشدهم فتكا بالإنسان.
فأسرع وهو في مصر وتعلم كيفية الوقاية من هذا الوباء، وبعد أن عرف أن هناك لقاحا يقي الأطفال هذا المرض ويحصنهم ضد العدوى منه قرر أن يهب نفسه لهذه المهمة الجليلة ويعمل بها في وطنه الكويت فسافر إلى الهند للحصول على اللقاح الذي توصل إليه العلم هناك، وكانت اليمن آنذاك أكثر البلاد العربية إصابة بهذا المرض، فاتجه إليها ليعالج الناس ويعلمهم كيفية الوقاية من هذا الوباء «مرض الجدري»، بعد ذلك اتجه إلى دول الخليج يرشد الناس إلى الوقاية بالمصل الواقي ويمارس تطعيم الأطفال وكانت أول محطة له مدينة مسقط بعمان ثم رأس الخيمة ثم دبي ولقد كان لجولته هذه أثر كبير في إنقاذ آلاف الأطفال المهددين بالموت بفضل ما تعلمه من أساليب الوقاية والتحصين من هذا الوباء وفي عام 1315هـ عاد إلى وطنه الكويت وأنشأ في بيته عيادة يأتي إليها الناس بأولادهم ليتلقوا علاج الوقاية من مرض الجدري.
وكان بيته في محلة العوازم بالقرب من مسجد الشيخ محمد بن فارس.
كان رحيما بالأطفال يحبهم ويكره بكاءهم ولشدة حرصه على ألا يبكي الأطفال أثناء زيارتهم له للتطعيم كان يغريهم بالحلوى وبسرعة خاطفة يضع الدواء لهم.
كان مساعد بن عبد الله محسنا بعلمه الذي اجتهد في تحصيله من أماكن إسلامية متفرقة، فأصبح عونا للضعفاء وسندا للعاجزين بما وهبه الله من معرفة واطلاع.
«يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب» سورة البقرة.
ظل الشيخ مساعد بن عبد الله العازمي يتنقل بين الكويت والبحرين ويمارس مهمته الإنسانية بلا ملل أو تردد.
وفاته
توفاه الله عام 1362هـ الموافق 1943م في قرية يقال لها «عسكر» في البحرين بعد رحلة طويلة من الكفاح ضد وباء أهلك الكثير من الأطفال والكبار، وقد بلغ رحمه الله من العمر مائة سنة قمرية وتكريما له أطلق اسمه على أحد شوارع دولة الكويت – شارع مساعد العازمي – في منطقة السالمية.