حينما نتطرق إلى قصص القرآن الكريم نستذكر الحوادث الواقعة وأحوال الأمم الماضية والنبوات السابقة كما أخبرنا بها الله في كتابه العزيز، فقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي وذكر البلاد والديار وتتبع آثار كل قوم وحكى صورة ناطقة لما كان يدور في هذه العصور، والمغزى من ذلك قوة التأثير في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق، فهناك قصص عرضت بالكامل في سورة واحدة وأخرى عرض جزء منها في سورة والآخر في سورة أخرى.
 فقد بين الله لنا أصول الدين المشتركة بين جميع الأنبياء. فهذه القصص ليست مفتراة بدليل وجود أمثالها بين الناس، ففيها الحكم والعبر ونستفيد منها الكثير.
وبعد ما ذكرناه، نترككم كي تعايشوا هذا الجو القصصي في حلقات رمضانية متتالية، سيتم نشرها تباعا لكي نستفيد من مغزاها والدروس المستفادة منها، وتكون خير معين لنا في فهم ديننا وإيصاله للناس بالصورة الصحيحة وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى إنه نعم المولى ونعم النصير.

- قصة أصحاب الأخدود ذكرت في آيات معدودة من سورة البروج بشكل مختصر
- الله أنار للغلام بصيرته وآتاه من الإيمان والثبات ليغير حال أمة بأكملها
- أصبحت قصة أصحاب الأخدود فيلما كرتونيا حمل عنوان «رحلة الخلود»

قصة أصحاب الأخدود هي قصة ذكرت في القرآن تتحدث عن ملك ظالم آمن شعبه بالله (حسب التعبير الاسلامي)، فرفض إيمانهم، وحفر الأخاديد (جمع أخدود) وأشعلها بالنار وألقى فيها كل من آمن بهذا الدين الجديد.
أشار الله في كتابه العزيز إلى قصة أصحاب الأخدود في آيات معدودة من سورة البروج بشكل مختصر ، وذلك على طريقة القران في الإيجاز ، وعدم الخوض في التفاصيل ، وجاء في الحديث النبوي مزيد بيان وتوضيح لهذه القصة وتفاصيلها ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر ، فبينما هو كذلك ، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ، ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني ، أنت اليوم أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء ، فسمع جليس للملك كان قد عمي ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني ، فقال إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك ، فآمن بالله ، فشفاه الله ، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ، قال : ربي ، قال : ولك رب غيري ، قال : ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ، فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل ، فقال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فدعا بالمئشار ، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ، ثم جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ، ثم جيء بالغلام ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ، فذهبوا به فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال : كفانيهم الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ، فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال : كفانيهم الله ، فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال وما هو ، قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ، فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه ، فوقع السهم في صُدْغِهِ ، فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، فأُتِيَ الملكُ فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حَذَرُكَ ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت ، وأَضْرَمَ النيران ، وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها ، أو قيل له : اقتحم ففعلوا ، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ اصبري فإنك على الحق ) .
إنها قصة غلام نور الله بصيرته ، وآتاه من الإيمان والثبات ، والذكاء والفطنة ، ما استطاع به أن يغير حال أمة بأكملها ، وأن يزلزل عرش ذلك الطاغية المتجبر ، الذي ادعى الألوهية من دون الله ، فقد كان لهذا الملك ساحر يعتمد عليه في تثبيت ملكه ، وإرهاب الناس لينصاعوا لأمره ، فكبر سن هذا الساحر ، وطلب من الملك أن يرسل له غلاما ، ليرث علمه ، ويخلفه في مهمته ، وكان من إرادة الله الخير لهذا الغلام أن كان هو المرشح لهذه المهمة ، وتعرف في أثناء ذهابه إلى الساحر وعودته من عنده على راهب مؤمن ، دعاه إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن ، ودله الراهب على ما يتخلص به من تأنيب الساحر وتأنيب أهله في حال تأخره عنهم ، وقد أراد الغلام أن يزداد يقينا واطمئنانا بصحة ما دعاه إليه الراهب ، فوجد الفرصة سانحة عندما اعترضت دابة عظيمة طريق الناس فعلم وتيقن أنه على الحق والهدى .
وعندها عرف الراهب أنه سيكون لهذا الغلام شأن عظيم فأخبره بطبيعة ما سيلقاه في هذا السبيل ، وتعرضه لألوان من الابتلاء .
ثم ذاع أمر الغلام واشتهر بين الناس ، وأجرى الله على يديه الكرامات من شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص ، وكان يتخذ من ذلك وسيلة لنشر دعوته وتبليغ رسالته ، حتى وصل خبره إلى الملك عن طريق جليسه الذي دعا له الغلام فشفاه الله ، وشعر الملك من كلام الوزير ببوادر فتنة تهدد عرشه ، عندما صرح بالألوهية والربوبية لغيره ، فأراد أن يعرف أصل هذه الفتنة ومصدرها ، حتى وصل إلى الغلام ثم إلى الراهب ، وأراد أن يصدهم عن ما هم عليه ، فأبوا واحتملوا العذاب والقتل على الكفر بالله ، وأما الغلام فلم يقتله قتلا مباشرا كما فعل مع الوزير والراهب ، بل استخدم معه طرقا متعددة لتخويفه وإرهابه ، طمعا في أن يرجع عن ما هو عليه ، ويستفيد منه في تثبيت دعائم ملكه ، وفي كل مرة ينجيه الله ، ويعود إلى الملك عودة المتحدي ، وكان الناس يتابعون ما يفعله الغلام خطوة بخطوة ، ويترقبون ما سيصل إليه أمره ، فلما يئس الملك من قتله أخبره الغلام أنه لن يستطيع ذلك إلا بطريقة واحدة يحددها الغلام نفسه ، ولم يكن الغلام يطلب الموت أو الشهادة ، بل كان يريد أن يؤمن الناس كلهم ، وأن يثبت عجز الملك وضعفه، في مقابل قدرة الله وقوته ، فأخبره أنه لن يستطيع قتله إلا بأن يجمع الناس في صعيد واحد ، ويصلبه على خشبة ، ثم يأخذ سهمـًا - وليس أي سهم ، بل سهمـًا من كنانة الغلام - ويرميه به قائلاً : بسم الله رب الغلام .
وكان للغلام ما أراد ووقع السهم في صدغه ثم وضع يده على مكان السهم ومات ، وما كاد الغلام أن يسقط ميتاً ويتنفس الملك الصعداء بعد أن ظن أنه اقتلع هذه الفتنة من جذورها ، حتى تنادى الناس من كل حدب وصوب مؤمنين بالله جل وعلا ، مرددين : “ آمنا برب الغلام “ .
وهنا جن جنون الملك ، وثارت ثائرته ، فقد وقع الأمر الذي كان يحذره ومن أجله قتل الغلام ، فحفر الأخاديد ، وأضرم فيها النيران ، وتوعد كل من أصر على دينه بأن يقذف فيها ، ولكن هيهات بعد أن كسر الغلام حاجز الخوف والرهبة في نفوسهم ، وبين لهم بأبلغ رسالة وأفصح بيان عجز الملك وضعفه أمام قدرة الله وقوته ، فرضي الناس بالتضحية بالنفس في سبيل الله ، على الرغم من أنه لم يمض على إيمانهم إلا ساعات قلائل بعد الذي عاينوه من دلائل الإيمان ، وشواهد اليقين ، وأنطق الله الرضيع عندما تقاعست أمه عن اقتحام النار، فكانت آية ثبت الله بها قلوب المؤمنين .
إن هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار الحقيقي هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة ، وأن الحياة الدنيا وما فيها من المتاعب والآلام ليست هي الميزان الذي يوزن به الربح والخسارة ، لقد انتصر هذا الغلام عدة مرات في معركة واحدة وموقف واحد ، انتصر بقوة فهمه وإدراكه لأقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته ، وإخراج أمته ومجتمعه من الظلمات إلى النور ، وانتصر بقدرته على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب ، متخطيا جميع العقبات ، ومستعليا على الشهوات ، ومتاع الحياة الدنيا ، وانتصر عندما تحقق ما كان يدعو إليه وما قدم نفسه من أجله ، وانتصر عندما فاز بالشهادة في سبيل الله ، وانتصر عندما خلد الله ذكره في العالمين ، وجعل له لسان صدق في الآخرين ، صحيح أن الناس كلهم يموتون ، ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار .

خلفية تاريخية

سُميت قصة أصحاب الأخدود بهذا الاسم نسبة إلى الأخدود الذي أشعل فيه النار وألقي فيه المؤمنون بالدين الجديد، ومعني أخدود(الجمع أخاديدُ و خُدَد): شَقٌّ مستطيل غائر في الأرض، أو فتحة عميقة أو حُفرة في الأرض وخاصَّة فوق سطح الأرض كما يقال:خلّفت السيولُ أخدودًا كبير، ذكرت بعض المصادر أن مرتكب هذة المحرقة هو يوسف بن شراحيل وكانت في نجران، إلى جانب ارتكابه عدد من الجرائم الأخرى بحق المسيحيين في المخا وظفار يريم وأجزاء من مأرب وحضرموت.
يشير ابن إسحاق وأبو صالح عن ابن عباس في السيرة أن قوم الأخدود هم نصارى نجران. وقال الضحاك أنّ اصحاب الاخدود هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة، أخذهم يوسف بن شراحيل بن تبع الحميري، وكانوا نيفا وثمانين رجلا، وحفر لهم أخدودا وأحرقهم فيه، وقال الكلبي أن أصحاب الأخدود هم نصارى نجران، أخذوا بها قوما مؤمنين، فخدوا لهم سبعة أخاديد، طول كل أخدود أربعون ذراعا، وعرضه اثنا عشر ذراعا.
في ذات السياق شكك عالم الآثار والباحث الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري أن حادثة الأخدود لم تحدث في نجران، موضحاً ان بعض الكتب والروايات المعاصرة تربط بين الملك الحميري يوسف أسأر يثأر (517 ــ 527م) والشخصية الاسطورية المعروفه في المصادر العربية باسم (ذي نواس) وبين قصة محرقة نجران وبين حادثة الأخدود التي وردت في القرآن الكريم، وتفترض هذه الروايات أن الملك يوسف أسأر هو ذي النواس وأنه أحرق نصارى في نجران، بالرغم أن نقوش المسند اليمنية العائدة للملك يوسف أسار لم تدل على أنه أحرق النصارى في نجران.
اعتقد محمد بن إسحاق أنهم كانوا بعد مبعث المسيح، وخالفه غيره فزعموا أنهم كانوا قبله.
قصة أصحاب الأخدود في الاسلام
تعد قصة أصحاب الأخدود أحد أشهر القصص في الإسلام, كونها وردت في القران والسنة على حد سواء، وتعد مصدر إلهام للمسلمين خاصة في عصر الاضطهاد (البلاء والفتنة في التعبير الاسلامي).

في القرآن

ذكرت سورة البروج قصة أصحاب الأخدود ذكرا مبسطا، حيث أثبتت السورة أنهم تم حرقهم في الأخدود، لأنهم آمنوا بالله، كما وصفت الصورة الملك وأعوانه كشهود علي هذه المحرقة، مبينا أن دافع الانتقام من هؤلاء المؤمنين هو فقط مجرد الإيمان بالله، وأنهت السورة أحداث القصة بفتح باب التوبة لمن قاموا بهذه المحرقة، مع التوعد بالإنتقام ممن لم يتب منهم عن طريق إحراقه في الآخرة بنار الحريق.

في الأحاديث النبوية

روي عن صهيب الرومي رضي الله عنه في صحيح مسلم:   قصة أصحاب الأخدود: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:كان ملكٌ فيمن كان قبلكم, وكان له ساحر, فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر. فبعث إليه غلامًا يعلمه, وكان في طريقه إذا سلك راهب, فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه, وكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه, فإذا أتى الساحر ضربه, فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس, فقال: اليوم أعلم آلساحرُ أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. فرماها، فقتلها ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره, فقال له الراهب: أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، فإن ابتُليت فلا تدُلَّ عليَّ.
وكان الغلام يُبرِئ الأكمه والأبرص, ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ها هنا لك أجمع, إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى, فإن آمنتَ بالله تعالى، دعوتُ الله فشفاك. فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى.
فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذِّبه حتى دلَّ على الغلام. فقال له الملك: أي بُنَيَّ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مَفْرِق رأسه فشقه حتى وقع شِقَّاه, ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فوضع المنشار في مفرق رأسه, فشقه به حتى وقع شقاه.
ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل, فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه, وإلاَّ فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا, وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل بأصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى.
فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر, فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قُلْ: باسم الله رب الغلام. ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.
فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه، ثم أخذ سهمًا من كنانته, ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه، فمات.
فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.
فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرُك قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك، فخُدَّت وأُضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه. ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه، اصبري فإنك على الحق[7]

تمثيل القصة

في عام 1992 أطلقت شركة الآء للإنتاج الفني فيلما كرتونيا عن قصة أصحاب الأخدود حمل عنوان “رحلة الخلود”.