في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أعلنت شركة شل عملاق الصناعة النفطية، إيقاف عمليات البحث والتنقيب التي تقوم بها في ألاسكا، مؤكدة أن المدى المنظور لن يشهد عمليات استكشافية للشركة في تلك المنطقة.

وجاءت الخطوة وفقا لما أعلنته شركة «شل» في بيان، إثر إصابتها «بخيبة الأمل» من نتائج الاكتشافات النفطية في حقل «بحر تشوكشي»، الحقل الرئيسي لها في ولاية ألاسكا الأميركية، إذ لم تجد الشركة فيه كميات كافية من الغاز والنفط.

ويعد القرار بمنزلة ضربة مؤلمة لـ»شل»، وخسارة مالية كبيرة لاستثماراتها في مجال اكتشاف النفط والغاز في ألاسكا، بعد أن أنفقت الشركة نحو سبعة مليارات دولار لتطوير حقولها النفطية هناك، وتحديدا في منطقة بحر تشوكشي وبوفورت.

ولإدراك مارفين أوديم؛ رئيس شركة شل في أميركا تداعيات القرار على المستثمرين وحاملي الأسهم، فإنه سعى إلى التخفيف من حدة القرار وتهدئة أي تساؤلات حول الخسائر المالية الناجمة عن هذا الفشل، بالقول «أن الشركة لا تزال ترى إمكانية وجود اكتشافات نفطية وغازية مهمة في حوض بحر تشوكشي، ومن المرجح أن يكون لهذا الحوض في نهاية المطاف أهمية استراتيجية لألاسكا والولايات المتحدة».

وكانت عملية البحث والتنقيب التي تقوم بها الشركة في ألاسكا، قد أثارت جدلا كبيرا داخل الولايات المتحدة وخارجها حول جدواها الاقتصادية ومخاطرها البيئية.

وهنا قال أندروا ليستنج المختص النفطي، إنه رغم انخفاض أسعار النفط حاليا، فإن الرؤية الاستراتيجية لشل، تقوم على أساس أن الاتجاه العام للاقتصاد العالمي يتضمن زيادة دائمة في الطلب على الطاقة، ومن ثم هناك ضرورة للبحث عن موارد نفطية جديدة، باعتبار أن ذلك أمر شديد الأهمية لنمو الاقتصاد العالمي مستقبلا».

وأضاف، «لذلك استثمرت الشركة المليارات على أمل اكتشاف المزيد من الحقول في ألاسكا، ووسعت نطاق البحث ليشمل 70 ميلا، لكنها لم تفلح في إيجاد الكميات التي كانت تسعى إليها». من ناحيتها، اعتبرت الدكتور ويل كيرمود؛ أستاذة اقتصادات الطاقة في جامعة كامبريدج، أن الأمر لا يرتبط فقط بما أعلنته الشركة من عدم توافر الكميات الكافية من النفط أو الغاز في حقل بحر تشوكشي، وإنما يرتبط الأمر بانخفاض أسعار النفط في العالم وتأثيرها السلبي في الصناعة النفطية.

وأضافت «، أنه «عندما تقول الشركة أن كميات الغاز والنفط المكتشفة غير اقتصادية، فإنها تعنى في الأساس أنها غير ذات جدوى وفقا للأسعار الراهنة، فالبترول حاليا منخفض الثمن ومن ثم فإن الكميات المنتجة ولكونها ضئيلة لن تكون مربحة، خاصة في ظل تكلفة أبحاث وتنقيب وحماية للبيئة بلغت المليارات».

وأوضحت، أن ما حدث لشركة شل لا يعد استثناء، فعديد من شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة وكذلك في بحر الشمال، أوقف عمليات التنقيب والبحث، بل تم وقف إنتاج الحقول غير الاقتصادية نتيجة تراجع أسعار النفط».

وتخشى شركة شل حاليا أن يؤدي المزيد من انخفاض أسعار النفط إلى تدهور الوضع الراهن لها، حيث قامت الشركة أخيرا بإنهاء خدمات نحو 6500 موظف من إجمالي عدد العاملين لديها والبالغ قرابة 94 ألف عامل وموظف، وذلك في إطار جهودها لخفض المصروفات بنحو أربعة مليارات دولار، إلا أن فشل مشروعها الأخير في ألاسكا، سيزيد من حجم الضغوط والانتقادات التي يتعرض لها مجلس الإدارة. وتعد منظمات حماية البيئية المحلية أو الدولية، من أبرز المنتقدين لعمليات البحث والتنقيب التي تقوم بها «شل» في ألاسكا.

 وفي تعليقها على ذلك، قالت إيرين براون من المنظمة الدولية لحماية البيئة، إنه رغم الترحيب بقرار شل وقف عمليات التنقيب والبحث في ألاسكا لما لها من أضرار على البيئة، فإن الشركة عليها إعادة النظر في مجل سياستها تجاه العلاقة بين الاكتشافات النفطية والأضرار البيئية. لكن إيرين لا تخفي تشاؤمها حول إمكانية تحقيق ذلك لأسباب اقتصادية محض، إذ قالت إن «شركات النفط عامة تبدأ في الاهتمام بالحفاظ على البيئة إذا واصلنا الضغط عليها، لكن أيضا عندما يكون معدل الربح لديها مرتفع، لأنها باختصار تستطيع تخصيص مبالغ مالية إضافية للاعتناء بالبيئة في المناطق التي تجري فيها عمليات التنقيب والبحث، ولكن الآن فإن أغلب شركات النفط العملاقة أرباحها متراجعة، وشل على سبيل المثال لم تحقق خلال الربع الثاني من هذا العام غير 3.4 مليار دولار أرباح، أي أقل بنسبة 35 بالمئة مما حققته العام الماضي، ولهذا اعتقد أن حدة الخلاف ستتصاعد بين منظمات البيئة العالمية وشركات النفط في المرحلة المقبلة». ورغم أن شركة شل قد أعلنت في نيسان (أبريل) الماضي، أنها ستقوم بشراء شركة بريتش غاز بـ 47 مليار دولار، فإنها كشفت أخيرا عن قيامها ببيع بعض من أصولها بما قيمته 20 مليارا، وسط توقعات بأن تواصل التخلص من بعض الأصول الأخرى خلال الفترة من 2016 إلى 2018، التي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار لتوفير سيولة مالية تمكنها من التوسع في مناطق جديدة.

وقال « المختص النفطي أندرو ليستنج، إن «شل» تبني استراتيجيتها حاليا على تقليص النفقات وإعادة الهيكلة على أمل تبسيط هياكلها الداخلية وجعلها أكثر ربحية. ووفقا لتقديرات المختصين في «شل» فإن أسعار النفط في الأمد المتوسط ستتراوح بين 70 و90 دولارا للبرميل، وإذ أفلحت الشركة في خفض نفقات الإنتاج وتقليص العمالة فإن سعر النفط الذي تتوقعه سيكون مربحا بالنسبة لها».