اشتهر كبار أصحاب السفن في الكويت منذ القدم (بنقع) خاصة بهم وسميت بأسمائهم واحتفظوا بها مقابل (عمايرهم) أي دكاكينهم التجارية أو دواوينهم بغية إيواء سفنهم التجارية وسفن غيرهم بعد انتهائها من موسم العمل.
وصممت هذه (النقع) بحكمة ودراية مشهودة لأولئك الرجال الذين شيدوها بفطرتهم معتمدين على خبرات قيمة تعلموها منذ نعومة أظفارهم.
وتعتبر النقع قديمة قدم الكويت نفسها التي اعتمد اقتصادها منذ البداية على البحر والتجارة البحرية.
وكانت الحكومة الكويتية قد بدات في أوائل القرن الماضي تقريبا بإصدار وثائق لأصحاب النقع تثبت تبعيتها لهم. في السياق عرف الباحث في التراث الكويتي محمد جمال في كتابه (الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت) النقعة بأنها عبارة عن حوض على ساحل البحر محاط بسور من صخور البحر يستخدم لرسو السفن الشراعية لحمايتها من الرياح والأمواج كذلك لصيانتها مما قد يصيبها من تلف أثناء فترة العمل.
وقال جمال إن السفن تقف في النقعة في صفوف على امتداد الساحل بعد انقضاء فترة العمل وتغطى (بالعرشان) و(البواري) أي جريد النخل الذي يغطى به سقف المكان الذي تقف فيه السفينة لحمايتها من حرارة الشمس والعوامل الجوية الأخرى انتظارا لبدء موسم العمل الجديد حيث يتم تنظيفها وتجهيزها استعدادا للعمل.
وأوضح أن النقع لا تخلو في معظم الأحيان من السفن المتوقفة نظرا إلى اختلاف مواسم العمل للسفن الرئيسية التي تستخدمها وهي سفن السفر التجاري وسفن الغوص إذ تأوي سفن السفر التجاري إلى النقع بعد عودتها من رحلة السفر في شهر يونيو لتبقى هناك إلى منتصف شهر أغسطس بينما تبقى سفن الغوص في النقع بعد انتهاء موسم عملها في شهر سبتمبر إلى منتصف شهر مايو تقريبا.
وذكر أن أن النقع تستقبل أيضا على مدار العام سفن الصيد التي تجلب صيدها إلى هناك ليتم نقله إلى (سوق السمك) بينما تتوجه سفن نقل المياه من شط العرب إلى عدد من النقع ليستقبلها (الكندري) - الذي يقوم ببيع الماء العذب للناس - لنقل الماء إلى عملائهم.
وأضاف أنه كانت تأتي إلى النقع سفن نقل الصخور من (رأس عشيرج) وهو مكان معروف قديما على ساحل البحر تجلب منه الصخور التي تنزل حمولتها في عدد من النقع الكبيرة ليتم نقلها من هناك على ظهور الحمير إلى مواقع البناء.
وأشار جمال الى أن (سفن السفر) يتم إيقافها في الماء داخل النقعة لكبر حجمها وصعوبة نقلها إلى اليابسة خصوصا أن فترة توقفها عن العمل قصيرة قد لاتزيد على شهرين أو ثلاثة أشهر.
وبين أيضا أن (سفن الغوص) يتم إيقافها على اليابسة لصغر حجمها وسهولة سحبها إلى هناك وقد تطول مدة وقوفها في النقعة لتصل إلى نحو ثمانية أشهر.
وذكر أن النقع تعد أيضا مراكز لأعمال صيانة السفن حيث يقوم (القلاليف) وهم صناع السفن بإصلاح وصيانة السفن الشراعية على شواطئها واستبدال قطعها التالفة كما كانت السفن الشراعية تصنع قرب شواطئ النقع لتسهيل عملية إنزالها للحر لدى اكتمالها.
وأدت تلك الأحواض البحرية (النقع) دورا كبيرا في تاريخ الكويت الملاحي إذ كان ساحل مدينة الكويت يضم ما يزيد على أربعين نقعة ما بين صغيرة وكبيرة.
ولفت إلى أن ارتفاع سور النقعة يتراوح ما بين متر ونصف المتر وقرب الساحل إلى أربعة أمتار أو أكثر داخل البحر حسب عمق النقعة وبعد سورها الداخلي عن الساحل وهذا ما ميز ساحل الكويت عن غيره من السواحل الخليجية.
وقال جمال إن تصميم النقعة وبناءها كانا يخضعان لقواعد وشروط يعرفها بحارة الكويت ونواخذتها وتجارها فيبلغ عرض السور عند قاعدته حوالي أربعة أمتار يضيق تدريجيا إلى أن يصل لحوالي مترين عند سطحه ويساعد ذلك على تقوية السور وبقائه أطول فترة ممكنة لمقاومة الأمواج العاتية التي تتكسر على جدرانه وبذلك يحمي السفن الراسية داخل النقعة.
وأضاف أن للنقعة عادة فتحتان شرقية وغربية وتسمى الواحدة منها (فاتق) وتستخدم لدخول السفن إلى النقعة والخروج منها ويساعد وجود فتحتين متقابلتين أو أكثر في النقعة على تجدد مياهها بسبب التيارات الناتجة عن المد والجزر وعدم تكون (الصيانة) وهي الترسبات الطينية والعضوية الناتجة عن ركود المياه وعدم تبدلها مما يؤدي إلى تجمع الأوساخ والتسبب في وجود روائح نتنة.
وأكد أن بعض النقع كانت تتسع لعدد كبير من السفن وعادة مايتقاسم مستخدمو النقعة الرئيسيين تكاليف صيانتها وإعادة بناء أسوارها في حالة تهدمها أو إصابتها بالتلف نتيجة للأمواج والرياح الموسمية القوية.