في ديسمبر الماضي قال وزير النفط السعودي علي النعيمي إن أسواق النفط ستستقر قريبا وإن الأسعار ستتحسن متى ما بدأ الفائض في الانحسار مع هبوط الإنتاج من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وفي يونيو من العام الحالي وفي يوم وصوله إلى فيينا لحضور اجتماع منظمة أوبك قال النعيمي للصحافيين الذين كانوا يقفون لمعرفة آرائه عن السوق إنه متفائل، كما أن أسعار النفط ستتحسن قريبا وستعاود الارتفاع في النصف الثاني من العام الحالي ولكنه لا يملك كرة سحرية «بلورية» تكشف عن المستقبل ليحدد متى بالتحديد سترتفع الأسعار ولا يعلم إلى أي مدى سترتفع. ولم يكن النعيمي وحده من يردد هذه الجملة، ففي الكويت لم يكن وزير النفط الكويتي علي العمير يستقبل الصحافيين في أي وقت دون أن يعبر لهم عن تفاؤله عن تحسن الأسعار وعودة السوق إلى التوازن.
أما الأمين العام لمنظمة أوبك الليبي عبد الله البدري فقد ذكر في مرات كثيرة أوقاتا مختلفة لعودة الأسعار إلى الارتفاع وعودة السوق إلى حالة التوازن. ففي أواخر العام الماضي ذكر أن السوق ستتحسن في النصف الأول من العام الحالي، ثم قال مؤخرا إن الأسعار ستتحسن في النصف الثاني الذي اقتربنا من منتصفه. وكانت المفاجأة هي أن أوبك قالت مؤخرا في تقريرها الشهري في يوليو الماضي إن السوق ستعود إلى الاتزان في العام القادم. «لقد أصبح الوقت الذي تتعافى فيه السوق والأسعار هدفا متحركا كلما اقتربنا منه ابتعد عنا»، كما يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران الدكتور محمد الرمادي .
وبدأ الهلع يدب في نفوس السوق وفي نفوس الدول المنتجة للنفط أو حتى الشركات الكبرى. وكان أكثر من عبر عن رأيه بصراحة هو رئيس شركة «اكسون موبيل ريكس تيلرسون» الذي قال الشهر الماضي بعد صدور نتائج الربع الثاني لشركته: «إننا يجب أن نتعود على بقاء أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة قادمة».
ودخلت أسعار النفط مرحلة حاسمة وحرجة حاليا، إذ هبط برميل نفط غرب تكساس في سوق نيويورك إلى أقل من 40 دولارا خلال جلسة يوم الجمعة قبل أن يتعافى ويقفل التداول الأسبوعي على سعر 41 دولارا للبرميل.
وأثار انخفاض غرب تكساس تحت أربعين دولارا حتى لدقائق معدودة مخاوف المضاربين والمستثمرين وأعاد إلى الأذهان الانهيار الكبير الذي شهدته الأسعار في عام 2008 عندما تحطمت وهبطت من مستوى 147 دولارا للبرميل إلى مستوى الثلاثين دولارا للبرميل.
ويلقي الجميع في السوق باللوم على أوبك بسبب سياستها الحالية التي تتبعها والتي تقوم على الدفاع عن حصة أوبك في السوق بدلا من الدفاع عن أسعار النفط. ويقول رئيس أبحاث أوبك السابق الدكتور حسن قبازرد : «الأسعار لن تتحسن هذا العام بكل تأكيد، ولكن هذا لا يعني أن ما تفعله أوبك ليس الصواب».
ويضيف قبازرد: «لقد ضحت أوبك بحصتها السوقية لسنوات طويلة من أجل الدفاع عن مصالح المنتجين وعن الأسعار، ولكن إلى متى ستكون التضحية من أوبك وحدها؟!».
وكان قبازرد الذي يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي لشركة الكويت للمحفزات أول من توقع هبوط أسعار النفط إلى مستوى أربعين وثلاثين دولارا في يونيو الماضي خلال وجوده في فيينا لحضور ندوة أوبك الدولية.
وترى بعض دول أوبك مثل السعودية أنه من أجل إعادة التوازن إلى السوق فإن الدول المنتجة جميعا عليها التكاتف من أجل إعادة الاستقرار للسوق والقيام بتخفيض جماعي، إذ إن المسؤولية مشتركة وليست مسؤولية دولة بمفردها مثل السعودية أو حتى مسؤولية أوبك. ولهذا السبب تركت السعودية وأوبك السوق لتصحح نفسها بنفسها حتى وإن أخذ هذا التصحيح وقتا أطول.
ولكن هناك من يعارض هذا التوجه مثل الممثل الوطني السابق لدولة الكويت في أوبك عبد الصمد العوضي، الذي يقول من مقر إقامته في لندن: «ترك السوق لتصحح نفسها بنفسها ليس بالأمر السليم، فمنظمة أوبك تم إنشاؤها في الأساس للدفاع عن الأسعار ومصالح المنتجين».
ويضيف العوضي: «يجب أن تعود أوبك إلى نظامها القديم بتبني نظام الحصص أو نظام النطاق السعري العريض الذي يدافع عن نطاق لأسعار النفط بين أعلى وأقل بدلا من الدفاع عن سعر محدد».
وفي السعودية البلد الذي دافع بشدة عن سياسة أوبك الحالية بدأت الأصوات في الارتفاع من قبل المحللين والاقتصاديين المحليين الذين عبروا عن قلقهم من انخفاض أسعار النفط على موازنة الدولة هذا العام، خصوصا أن السعودية ستصدر سندات حكومية لتعويض العجز المتوقع في أسعار النفط. وحتى هذه اللحظة سحبت المملكة ما يقارب من 60 مليار دولار من احتياطيها الأجنبي من أجل تمويل الإنفاق المتزايد هذا العام.
ويقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في شركة «آشمور» للاستثمار وإدارة الأصول الدكتور جون اسفاكاناكيس: «الوضع مقلق نوعا ما ولكن الدولة ليست غبية كما يتصور كثيرون. الوضع المالي للدولة جيد والاحتياطات الأجنبية عالية وتكفي لتمويل أي عجز في الميزانية لمدة عشر سنوات قادمة». ويضيف: «السؤال المهم الآن هو: إلى متى ستستمر الأسعار في البقاء عند هذه المستويات ومتى ستبدأ الحكومة في ترشيد الإنفاق وإجراء مزيد من الإصلاحات لمواكبة المتغيرات؟».
وفي الرياض يدرك صناع القرار أن الوضع سيأخذ وقتا أطول لإصلاح الخلل الهيكلي في السوق، فعملية تصحيح السوق نفسها بنفسها تأخذ وقتا أطول وسبق أن عبر عن هذا كل من محافظ المملكة في أوبك الدكتور محمد الماضي والممثل الوطني للمملكة في أوبك الدكتور ناصر الدوسري، ففي مارس الماضي قال الماضي في أحد المؤتمرات في الرياض إنه لا يتوقع أن تعود أسعار النفط في المستقبل إلى 100 دولار نظرا لأن هذا السعر سيسمح للمنتجين أصحاب التكلفة العالية بدخول السوق مجددا، أما زميله الدوسري فقد عبر للجميع في نفس المناسبة أن تصحيح السوق سيأخذ وقتا أطول ولكن الطلب على النفط في العالم في وضعية جيدة وسيستمر في الارتفاع بنحو مليون برميل يوميا عاما بعد عام حتى 2040 ليصل إلى 111 مليون برميل يوميا.