توقعت الأوساط الاقتصادية والمالية استمرار حالة التذبذب وعدم الاستقرار في السوق الدولية للنفط الخام خلال الأسبوع الجاري بسبب استمرار تأثير عدد من العوامل المهمة في السوق وفي مقدمتها المخاوف من شكل وتأثير عودة الصادرات النفطية الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية بموجب الاتفاق النووي الأخير مع القوى الغربية. وأشارت التوقعات إلى أن ارتفاع الحفارات والمخزونات ونمو الدولار أمام العملات الرئيسية أسهم في تعطيل مسيرة أسعار النفط الخام نحو النمو والتعافي.
ويترقب الاقتصاديون اجتماعا مهما هذا الأسبوع في موسكو في 30 (يوليو) الجاري بين الكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي وعبد الله البدري الأمين العام لمنظمة أوبك لتدارس تأثيرات الاتفاق الإيراني الغربي وأوضاع السوق في ضوء عودة الصادرات الإيرانية إلى جانب مواصلة أعمال الحوار بين «أوبك» والمنتجين من خارجها وفق البرامج المتفق عليها في هذا الشأن.
يأتي ذلك فيما أكدت شركة إكسون موبيل النفطية العملاقة أن الطلب العالمي على الطاقة سينمو بمعدل 35 في المائة بحلول عام 2040 وأن نمو الطلب سيكون مرجعه أسبابا رئيسية أهمها النمو السكاني وجهود التنمية الاقتصادية وتسارع برامج كفاءة الطاقة وأن احتياجات العالم لتأمين إمدادات الطاقة في السنوات المقبلة ستزداد.
وأكد الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة أكسون موبيل ريكس تيلرسون أن صناعة الطاقة تهتم بشكل أكبر من كل القطاعات الاقتصادية بموضوع الدراسات المستقبلية واستشراف مسار السوق وإعداد خطط عمل طويلة الأجل وهو أمر ليس ترفا بل ضرورة قصوى لهذه الصناعة الحيوية. وأشار تيلرسون في تقرير لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» إلى أن هناك حاجة دوما إلى الثقة والتأكد في مستقبل إمدادات الطاقة ومدى تلبية احتياجات العالم منها، مشيرا إلى أهمية دور المنتجين سواء كانت حكومات أو قطاعا خاصا وضرورة التنسيق والتعاون الدائم معهم.
وأضاف تيلرسون في التقرير أن العالم سيحتاج إلى تلبية تطلعاته على المدى القريب في توسيع واستخدام الطاقة بطرق سليمة وآمنة، مشيرا إلى أن الطلب على الطاقة في العالم سيتنامى على نحو واسع في السنوات المقبلة مدفوعا من عوامل ثلاثة رئيسية هي التنمية الاقتصادية في أغلب دول العالم النامي وأيضا النمو السكاني المتزايد في أغلب دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بشكل خاص إلى جانب التوسع في برامج كفاءة الطاقة وتنامي مشاريع التحضر والقضاء على فقر الطاقة.
وأشار تيلرسون إلى أن دراسات شركته تؤكد أن الناتج الاقتصادي العالمي سيتضاعف بحلول عام 2040 كما أن عدد سكان العالم ينمو بمعدلات عالية وهناك جهود واسعة لرفع مستوى المعيشة وتكثيف جهود التحضر والتنمية في عديد من دول العالم النامي، ما يبشر بنمو اقتصادي قادم بمعدلات جيدة.
وأوضح تيلرسون في تقرير «أوبك» أن هناك زيادة جيدة ملحوظة في مستويات كفاءة استخدام الطاقة، مشيرا إلى توقعه أن الطلب العالمي على الطاقة سينمو بنحو 35 في المائة فى الأعوام ما بين 2010-2040، وهو أقل قليلا من توقعات «أوبك».
وقال تيلرسون «إن الاتجاهات المستقبلية للطاقة في العالم تؤكد العلاقة الوثيقة بين النمو الاقتصادي وتسارع معدلات الطلب على الطاقة عامة وعلى النفط الخام بصفة خاصة»، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي مطالب بإيجاد سبل أكثر فاعلية لزيادة كفاءة استخدام الطاقة وتخفيض الانبعاثات كما أننا ملتزمون بالبعد الإنساني والواجب الأخلاقي في توسيع إمدادات الطاقة من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وذكر تيلرسون أن تفاقم ظاهرة فقر الطاقة في العالم تجعلنا أمام مسؤولية أكبر وأكثر الحاحا وهي تأمين وتوسيع إمدادات الطاقة، لافتاً إلى أن أحدث الإحصائيات كشفت عن أن واحدا من كل سبعة أفراد من البشر لا يزالون لا يحصلون على الكهرباء وأن نحو اثنين من كل خمسة أشخاص ما زالوا يعتمدون على الكتلة الحيوية مثل الخشب والفحم أو مخلفات الحيوانات لتلبية الاحتياجات الأساسية من الطاقة مثل الطبخ والتدفئة. وبحسب تيلرسون فإن فاتورة فقر الطاقة كبيرة ومشكلاتها شديدة الحدة والصعوبة كما أنها تتسبب في إزهاق الأرواح، وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية توفي أربعة ملايين شخص حول العالم في عام 2012 وحده بسبب التلوث وفقر الطاقة.
وأشار رئيس شركة إكسون موبيل في التقرير إلى أن هناك حاجة ملحة وعاجلة لدعم مصادر وتكنولوجيات الطاقة بما يكفل ليس فقط الحفاظ على التقدم في الاقتصاديات المتقدمة ولكن أيضا تحقيق النهوض لمئات الملايين من البشر الذين يعيشون في الدول النامية. وشدد تيلرسون على ضرورة التوعية بتطوير صناعة الطاقة واستيعاب التقنيات الحديثة والتكنولوجيا ولن يتحقق ذلك إلا بتعاون واسع ومثمر بين الحكومات خاصة في الدول الكبيرة المنتجة للنفط وبين رؤساء الشركات النفطية بما يحقق تطوير الصناعة والنهوض الاقتصادي.
وقال تيلرسون «إن الدول المتقدمة لا تهتم بشكل كاف بتطوير صناعة النفط وتركز بشكل أكبر على السياسات في مجال الطاقة والتحديات البيئية، ولذا يجب على المعنيين بصناعة النفط وقطاع الطاقة بشكل عام أن يتواصلوا بشكل أفضل مع صناع القرار وإيضاح حجم الفوائد التي يمكن أن تتحقق بتطوير هذه الصناعة من خلال زيادة إنتاج الطاقة لتحقيق النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي مع الحفاظ على البيئة.
وأوضح تيلرسون أن الطاقة ضرورية لتحقيق مستويات جديدة من الحياة الحديثة وأن النفط والغاز الطبيعي سيظلان المصدر الرئيسي والأساسي للصناعة حول العالم، مؤكدا أن زيادة الاستثمارات والابتكارات ستكون أمرا حيويا في العقود المقبلة، خاصة أن العالم يسعى حثيثا لمواجهة وإدارة مخاطر تغير المناخ. وأشار إلى أن قناعة «إكسون موبيل» هي أن العالم بحاجة إلى جميع مصادر الطاقة دون استثناء، موضحا أهمية استغلال هذه المصادر بشكل اقتصادي وبما يجعل الصناعة أكثر قدرة على المنافسة. وأوضح أن العالم يحتاج إلى إسراع الخطى في برامج الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة الرياح والطاقة الشمسية وأيضا الطاقة النووية مع زيادة الاحتياج في نفس الوقت إلى المصادر التقليدية وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي والفحم.
من جانبه، يقول «، المختص النفطي رالف فالتمان ، «إن مخاوف البعض من تأثير الاتفاق الإيراني الغربي على زيادة المعروض العالمي من النفط أسهم في إضعاف مستوى الأسعار، لكنها تأثيرات مؤقتة»، موضحا أن دعم اتجاه الانخفاض زيادة الحفارات والمخزونات وتصاعد الدولار.
وأشار فالتمان إلى أن مستقبل الطلب على النفط جيد ومبشر وأن حالة الانخفاض ستتراجع مع تلاشي تأثير عودة الصادرات الإيرانية أو في حالة توصل إيران إلى تفاهمات جيدة وتنسيق مع الدول الأخرى في منظمة أوبك. وأوضح المختص البولندي بيوتر فدفنسكي في شؤون الطاقة أن اجتماع موسكو هذا الأسبوع بين روسيا و»أوبك» سيرسل رسائل إيجابية لدعم السوق والأسعار وأن حدة المنافسة على الحصص السوقية ستتراجع أمام التوصل إلى برامج تعاون بين كبار المنتجين داخل «أوبك» وخارجها. وأشار فدفنسكي إلى أن الانخفاضات الحادة لن تستمر كثيرا وإذا استمرت فستؤدي حتما إلى خروج جديد لمنتجي النفط الصخري الأمريكي بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة المواءمة الاقتصادية وبالتالي سيتقلص المعروض خاصة من جانب الإنتاج الأميركي.