- زكريا ينسب إلى بني إسرائيل وذكر ابن خلدون أنه من نسل النبي داود 
- قبيل ميلاد المسيح كان زكريا من كبار الربانيين الذين كانوا يخدمون الهيكل
- استجاب الله له وبشّرته الملائكة وهو قائم يصلي أن الله سيهبه يحيى 

 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
زكريّا في الإسلام
ذكر زكريا في القرآن سبع مرات: آل عمران الآيتين 37 و38, قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء والأنعام الآية 85, قال تعالى: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ  ومريم الآيتين 2 و7, قال تعالى: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا وقال: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، والأنبياء الآية 89, قال تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ .
نسبه
ينسب زكريا إلى بني إسرائيل. وذكر ابن خلدون أنه من بني ماثان من نسل النبي داود من سبط يهوذا بن يعقوب. وقد أورد ابن عساكر لزكريا نسبًا بدأه بأبيه يوحنا، وعدّ بعده أحد عشر أبًا، حتى وصل إلى يهوشافاط خامس ملوك بيت المقدس من عهد النبي سليمان. نسبه إذا يكون: هو زكريا بن برخيا(أو دان، أو لدن) بن مسلم بن صدوق بن حشبان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن بلعاطة بن ياخور بن شلوم بن يهوشافاط(ويقال بهفاشاط)، بن إينامن بن رحيعم بن سليمان بن داود.
حياته
قبيل ميلاد المسيح، كان زكريا من كبار الربانيين الذين كانوا يخدمون الهيكل. وكان عمران -والد مريم- إمامهم ورئيسهم، والكاهن الأكبر فيهم، كما كانت حنَّة زوجته، خالة إليصابات زوجة زكريا. استجاب الله لدعاء عمران وحنَّة، بعد أن لبثت حنَّة عاقرا ثلاثين سنة، فحملت ونذرت أن تهب ولدها لخدمة بيت المقدس، وكانت ترجو أن يكون ذكرًا، إلا أنها رزقت بطفلة سمتها مريم، وحملتها وقدمتها إلى بيت المقدس، ودفعتها إلى العبَّاد والربانيين فيه، تنفيذًا لنذرها، وكان هذا من أحكام الشريعة اليهودية.
وتنافسوا في كفالتها، لأنها ابنة رئيسهم وكاهنهم الأكبر، ويعتقد أن عمران أباها قد توفي في هذه الأثناء، وأصرّ زكريا ، على أن يكفلها هو، وحصل الخصام بينهم أيُّهم يكفل مريم، فلجأوا إلى القرعة، فكانت كفالتها من حظ زكريا.
نشأت مريم نشأة دينية، وتفرغت للعبادة، فكان زكريا يجد عندها رزقاً من رزق الله لم يأتها به، وفي غير وقته، وهذا من إكرام الله لها. عندئذ، وقع حب الذرية في قلب زكريا، وتمنى أن يهبه الله ولداً ذكراً يرث الشريعة عنه وعن العلماء الصالحين من آل يعقوب، وخشي أن يتولى أمر الرئاسة الدينية في بني إسرائيل موالي من الجهلة والفساق والمتلاعبين بالدين. هنالك دعا زكريا ربه، بأن يرزقه بغلام، فاستجاب الله له وبشّرته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى، وأنه سيكون من الأنبياء الصالحين.
ما ورد في قتله
وقد ورد معناه في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه المبتدأ حيث قال: أنبأنا يعقوب الكوفي، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن ابن عباس أن رسول الله ليلة أسري به رأى زكريا في السماء، فسلم عليه وقال له: «يا أبا يحيى أخبرني عن قتلك كيف كان، ولم قتلك بنو إسرائيل؟» قال: «يا محمد أخبرك أن يحيى بن زكريا كان خير أهل زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجها، وكان كما قال الله تعالى: { وَسَيِّدا وَحَصُورا } وكان لا يحتاج إلى النساء، فهوته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بغية، فأرسلت إليه وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها، فأجمعت على قتل يحيى بن زكريا، ولهم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب». قال: «فخرج الملك إلى العيد فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجبا، ولم تكن تفعله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك: سليني فما سألتني شيئا إلا أعطيتك، قالت: أريد دم يحيى بن زكريا، قال لها: سليني غيره. قالت: هو ذاك. قال: هو لك». قال: «فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي، وأنا إلى جانبه أصلي، قال: فذبح في طشت وحمل رأسه ودمه إليها». قال: فقال رسول الله: «فما بلغ من صبرك؟». قال: «ما انفتلت من صلاتي». قال: «فلما حمل رأسه إليها، فوضع بين يديها، فلما أمسوا خسف الله بالملك، وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: قد غضب إله زكريا لزكريا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا». قال: «فخرجوا في طلبي ليقتلوني، وجاءني النذير فهربت منهم، وإبليس أمامهم يدلهم علي، فلما تخوفت أن لا أعجزهم، عرضت لي شجرة فنادتني وقالت: إليّ إليّ، وانصدعت لي ودخلت فيها». قال: «وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي، والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس: أما رأيتموه دخل هذه الشجرة، هذا طرف ردائه دخلها بسحره، فقالوا: نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس: شقوه بالمنشار شقا». قال: «فشققت مع الشجرة بالمنشار»، قال له النبي: «هل وجدت له مسا أو وجعا؟». قال: «لا، إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها».
هذا سياق غريب جدا، وحديث عجيب، ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث. وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء: «فمررت بابني الخالة يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وهما ابنا الخالة». فجاء على قول الجمهور كما هو ظاهر الحديث، فإن أم يحيى أشياع بنت عمران، أخت مريم بنت عمران. وقيل: بل أشياع وهي امرأة زكريا أم يحيى، هي أخت حنة امرأة عمران أم مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم، فالله أعلم.
ولادة يحيى 
 القصة الأولى في هذه السورة قصة سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، هذه القصة تُعَدُّ من حيث إِن ولادة سيدنا يحيى كانت بإعجازٍ دون إعجاز سيدنا عيسى ، فكأن الله سبحانه وتعالى هيَّأنا من معجزةٍ إلى معجزة ، سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان قد بلغ من الكبر عِتياً ، وكانت امرأته عاقراً ، ومع ذلك وهبه الله يحيى عليه السلام لبيان ، وتأكيد كمال قدرة الله عزَّ وجل ، لكن القصة التالية في نظر البشر أعظم إعجازاً من الأولى لأن هذا النبي العظيم سيدنا عيسى عليه السلام ولِدَ من غير أبٍ إطلاقاً ، والحقيقة الناصِعة هي أن كِلا الحالتين عند الله سواء ، لأن أمره .. &O4831; إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ &O4830; ( سورة يس : 82)
 وبالنسبة لله سبحانه وتعالى كلا الحالين سواء ، ولكن كتهيئَةٍ وتمهيدٍ لأذهاننا جاءت قصة سيدنا زكريا قبل قصة سيدنا عيسى ، إذْ إنّ الأولى تمهيدٌ للثانية ، وقد بَيَّنْتُ بفضل الله عزَّ وجل كيف أن الإنسان لا يملك إلا الطَلَب ، ما كان من هذا النبي العظيم إلا أن طلبَ ولياً يرثه في الدعوة إلى الله ، فكان أن لبَّى الله طلبه ، لذلك جاء في مطلع هذه السورة :&O4831; ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا &O4830;
 هذه رحمة الله عزَّ وجل ، ليس لك إلا أن تطلب بصدقٍ وإخلاص ، وعلى الله الباقي ، وأكَّدتُ لكم أن المَعْنِىَّ هو نحن ، لأن هذا النبي الكريم مضى ، وهو في جنَّات القُرُبات ، ولكننا نحن الذين نقرأ هذا القرآن نحن المعنيّون بهذه القصة ، فكلما ضاقت بنا الأمور ، وكلما رغبنا بشيءٍ يُعَدُّ من رحمة الله عزَّ وجل ، ليس لنا إلا أن ندعوَ الله عزَّ وجل مخلصين صادقين حتى تكون الرحمة ، لأن النبي الكريم سيدنا زكريا يقول : وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً  أي ما دعوتك في الماضي دعوةً وحرمتني من الإجابة ، وربنا سبحانه وتعالى يُحَدِّثُنا عن مريم ابنة عِمران ، يقول : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً .
كهيعص
ويقول الله تعالى :“&O5243;&O5260;&O5268;&O5228;&O5210; &O5195;ِ&O5243;ْ&O5198;ُ &O5197;َ&O5187;ْ&O5252;َ&O5172;ِ &O5197;َ&O5169;ِّ&O5242;َ &O5227;َ&O5170;ْ&O5194;َ&O5257;ُ &O5199;َ&O5243;َ&O5198;ِ&O5267;َّ&O5166; &O5159;ِ&O5195;ْ &O5255;َ&O5166;&O5193;َ&O5263; &O5197;َ&O5169;َّ&O5258;ُ &O5255;ِ&O5194;َ&O5165;&O5152; &O5191;َ&O5236;ِ&O5268;ًّ&O5166; &O5239;َ&O5166;&O5245;َ &O5197;َ&O5167;ِّ &O5159;ِ&O5255;ِّ&O5266; &O5261;َ&O5259;َ&O5254;َ &O5165;&O5247;ْ&O5228;َ&O5224;ْ&O5250;ُ &O5251;ِ&O5256;ِّ&O5266; &O5261;َ&O5165;&O5207;ْ&O5176;َ&O5228;َ&O5246;َ &O5165;&O5247;&O5198;َّ&O5155;ْ&O5201;ُ &O5207;َ&O5268;ْ&O5170;ً&O5166; &O5261;َ&O5247;َ&O5250;ْ &O5155;َ&O5243;ُ&O5254; &O5169;ِ&O5194;ُ&O5227;َ&O5166;&O5163;ِ&O5242;َ &O5197;َ&O5167;ِّ &O5207;َ&O5240;ِ&O5268;ًّ&O5166; &O5261;َ&O5159;ِ&O5255;ِّ&O5266; &O5191;ِ&O5236;ْ&O5174;ُ &O5165;&O5247;ْ&O5252;َ&O5262;َ&O5165;&O5247;ِ&O5266;َ &O5251;ِ&O5254; &O5261;َ&O5197;َ&O5165;&O5163;ِ&O5266; &O5261;َ&O5243;َ&O5166;&O5255;َ&O5174;ِ &O5165;&O5251;ْ&O5198;َ&O5155;َ&O5175;ِ&O5266; &O5227;َ&O5166;&O5239;ِ&O5198;ً&O5165; &O5235;َ&O5260;َ&O5168;ْ &O5247;ِ&O5266; &O5251;ِ&O5254; &O5247;َّ&O5194;ُ&O5255;&O5242;َ &O5261;َ&O5247;ِ&O5268;ًّ&O5166; &O5267;َ&O5198;ِ&O5179;ُ&O5256;ِ&O5266; &O5261;َ&O5267;َ&O5198;ِ&O5177;ُ &O5251;ِ&O5254;ْ &O5153;&O5245;ِ &O5267;َ&O5228;ْ&O5240;ُ&O5262;&O5167;َ &O5261;َ&O5165;&O5183;ْ&O5228;َ&O5248;ْ&O5258;ُ &O5197;َ&O5167;ِّ &O5197;َ&O5215;ِ&O5268;ًّ&O5166; &O5267;َ&O5166; &O5199;َ&O5243;َ&O5198;ِ&O5267;َّ&O5166; &O5159;ِ&O5255;َّ&O5166; &O5255;ُ&O5170;َ&O5208;ِّ&O5198;ُ&O5241;َ &O5169;ِ&O5232;ُ&O5276;&O5249;ٍ &O5165;&O5203;ْ&O5252;ُ&O5258;ُ &O5267;َ&O5188;ْ&O5268;َ&O5264; &O5247;َ&O5250;ْ &O5255;َ&O5184;ْ&O5228;َ&O5246; &O5247;َّ&O5258;ُ &O5251;ِ&O5254; &O5239;َ&O5170;ْ&O5246;ُ &O5203;َ&O5252;ِ&O5268;ًّ&O5166; &O5239;َ&O5166;&O5245;َ &O5197;َ&O5167;ِّ &O5155;َ&O5255;َّ&O5264; &O5267;َ&O5244;ُ&O5262;&O5253;ُ &O5247;ِ&O5266; &O5231;ُ&O5276;&O5249;ٌ &O5261;َ&O5243;َ&O5166;&O5255;َ&O5174;ِ &O5165;&O5251;ْ&O5198;َ&O5155;َ&O5175;ِ&O5266; &O5227;َ&O5166;&O5239;ِ&O5198;ً&O5165; &O5261;َ&O5239;َ&O5194;ْ &O5169;َ&O5248;َ&O5232;ْ&O5174;ُ &O5251;ِ&O5254;َ &O5165;&O5247;ْ&O5244;ِ&O5170;َ&O5198;ِ &O5227;ِ&O5176;ِ&O5268;ًّ&O5166; &O5239;َ&O5166;&O5245;َ &O5243;َ&O5196;َ&O5247;ِ&O5242;َ &O5239;َ&O5166;&O5245;َ &O5197;َ&O5169;ُّ&O5242;َ &O5259;ُ&O5262;َ &O5227;َ&O5248;َ&O5266;َّ &O5259;َ&O5268;ِّ&O5254;ٌ &O5261;َ&O5239;َ&O5194;ْ &O5191;َ&O5248;َ&O5240;ْ&O5176;ُ&O5242;َ &O5251;ِ&O5254; &O5239;َ&O5170;ْ&O5246;ُ &O5261;َ&O5247;َ&O5250;ْ &O5175;َ&O5242;ُ &O5207;َ&O5268;ْ&O5164;ً&O5166;”
تبدو من خلال نص الآيات السابقة أن “كهيعص” تقع مبتدأ مرفوعا وخبرها هي لفظة “ذكر” من الآية التالية حيث تعرب الآية كالتالي : كهيعص : مبتدأ ، ذكر : خبر مبتدأ مرفوع وهو مصدر يعمل عمل الفعل، رحمة : مضاف اليه مجرور  ، ربك : مضاف اليه مجرور ومضافه رحمة ، عبده : مفعول به منصوب للمصدر ذكر ، زكريا : بدل من “عبده” منصوب .
من الإعراب السابق يتبين أن سر “كهيعص” أنها ذكر رحمة خاص بزكريا عليه السلام ، حيث أن بقية الآيات تشير الى طلب زكريا الولد من ربه ، لانه خاف الموالي من ورائه ، وزوجته كانت عاقرا أي بها مرض يمنعها من الإنجاب ، ويبدو أن العلاج من هذا المرض لم يكن موجودا آنذاك لذلك جاءت تلبية طلب زكريا بولد له من صلبه ، لكن اندهاشه من الاستجابة أنه لم يطلب ابنا وانما طلب وليا له ، لكن جاءت البشرى بابن له فطلب آية من الله فكانت آيته ألا يكلم الناس ثلاث ليال سويا ، يكمن التعجب في طلب زكريا للآية ، حيث الله لا يحتاج آية ليرزق عبدا له بابن من صلبه !
لكن بالعودة الى كتاب الحاكمية للمفكر السوداني محمد ابو القاسم حاج حمد يمكننا أن نفهم شيئا من طلب زكريا للآية ، حيث يقسم حاج حمد الحاكمية الى ثلاث :
حاكمية الله : وهي التي يحكم الله فيها القوم حكما مباشرا عن طريق التدخل المباشر من مقام الربوبية كشق البحر مثلا وهذه الحاكمية كانت منذ موسى عليه السلام حيث يأخذ أوامر الله الانبياء ويأمرو القوم بتنفيذها .
حاكمية الاستخلاف : وهي حاكمية ينوب فيها عن الله احد الانبياء يسخر له الله امكانيات خاصة للقيام بمهمة الحاكمية وفيها لا يتدخل الله تدخلا مباشرا الا حين يعجز المستخلفون ، وهذه الحاكمية ابتدأت بداود وسليمان عليهما السلام ، حيث سخر لهم الله امكانيات قوية كالحديد لداود والريح لسليمان ..
الحاكمية البشرية : وهي التي ابتدأت برسول الله محمد عليه السلام حيث العمل بالمنهج واكتشاف قوانين الطبيعة وتسخيرها والعمل بمنهج الله عز وجل تمثلها تماما ..
من هذا يتضح أن زكريا كان من ضمن حاكمية الاستخلاف لأنه بعد سليمان ، ومن هذا نعرف أن ما سخره الله لزكريا كان قوانين الطب التي بها يشفي العاقر ، حيث في كتاب الله يتضح هذا جليا وخاصة عند ما نعلم أن قوم زكريا كانوا أهل طب اذ أن السيد المسيح كان من معجزاته شفاء الأكمه والأبرص ، ومن الطبيعي ان تكون معجزة زكريا مما تفرد به قومه حتى تستبين المعجزة ، اذا علمنا أن حاكمية الاستخلاف تقضي أن طاعة الله طاعة من مقام الألوهية تجعل الدعوة مستجابة من مقام الربوبية وهذا قانون كوني كان يسري آنذاك إبان حاكمية الاستخلاف فعليه كان يجب أن يتعبد زكريا من مقام الالوهية حيث كانت عبادته (آيته) هي ألا يكلم الناس ثلاث ليال سويا وهي شعيرة الصوم التي فعلتها السيدة مريم عليها السلام حين وضعت السيد المسيح عليه السلام “فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا” ، فبتعبد زكريا من مقام الالوهية جاءه الولد من مقام الربوبية “اذ نادى ربه نداء خفيا”
أهل اللسانيات يقولون أن معنى اسم زكريا هو المذكور عند الله ، وهو نفسه المعنى عند أهل الكتاب ، وهنا نجد ان القرآن الكريم ذكر أن زكريا قد ذكره ربه بذكر رحمة خاص به وهب له به الولد وهذا الذكر هو “كهيعص” كما في مطلع سورة مريم ، اذن بهذا الذكر الذي ذكر به زكريا تم اكتشاف قانون علاج العاقر التي لا تلد حيث تكون ماهية هذا الحروف هي مجموعة من القوانين الفسيولوجية والطبية التي سهلها الله لزكريا ليعالج زوجته بها ، وقد تعني هذه الحروف أن امكانية علاج العاقر قد أصبحت موجودة منذ ذلك الحين ولو لم توجد حينها لما وجدت الآن أيضا وربما هذا سر هذي الحروف ، الباحث السوري سامر اسلامبولي له منهج لساني يسميه اللسان العربي المبين حيث اكتشف ان لكل حرف عربي دلالة فيزيائية كونية استشفها الناس قديما من الواقع الى ان تكونت اللغة الأم التي تنطق تماما بما يقول الواقع وبدات تتغير مع الزمن الى ان جاء بهذا اللسان العربي المبين القرآن الكريم الذي فيه كل حرف يأخذ مدلولا معينا فيزيائيا علميا كونيا .