تعددت الألوان والأعراق والألسنة بتعدد البلاد والشعوب، فاختلفت العادات والتقاليد عبر دول العالم الإسلامي التي يعيش فيها أكثر من مليار نسمة في شتى قارات العالم، ولا يجمعهم إلا الإسلام تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وفي رمضان من كل عام، يتحول المسلمون في شتى ربوع الأرض إلى كتلة واحدة عملاقة، تهيمن عليها روحانيات الشهر الفضيل، فيؤدي الجميع العبادات نفسها من صيام وصلاة وإقبال استثنائي على فعل الخير ونزعة أقوى للتسامح والتواصل مع الآخرين. لكن رمضان بسماحته، يعطي أحبابه في مشارق الأرض ومغاربها فرصة عظيمة ليضع كل مجتمع بصمته ولمساته المستمدة من عاداته وتاريخه على طقوس استقبال ومعايشة الشهر الفضيل. وتنشر «دنيا الاتحاد» على مدى الشهر سلسلة حوارات مع العديد من زوجات سفراء الدول العربية والإسلامية في الإمارات، لإلقاء الضوء على عادات وتقاليد شعوبهن خلال رمضان.
رمضان في باكستان شيء مختلف. صحيح أنه توجد هناك عادات وطقوس كثيرة تشبه معظم الدول الإسلامية، مثل الإقبال على الصلاة في المساجد، وحضور حلقات الذكر ودروس التفسير وموائد الرحمن وتلك الأجواء الحميمية التي تجمع الناس وتؤلف بين قلوبهم.. لكن تبقى للشهر الفضيل في باكستان خصوصية تميزه. ويشكل رمضان فرصة للباكستانيين للتقرب إلى الله تعالى، بكل العبادات وأعمال الخير، بل والتقرب من بعضهم البعض، حيث تزيد المحبة والتواد بين الناس، فيتبادلون الأطباق والزيارات وتقام موائد الإفطار الجماعي.
وتبدو أجواء رمضان جلية في الشارع الباكستاني بالأزياء المحتشمة التي ترتديها جميع النساء، بما في ذلك السافرات. ومن عادة السيدات الباكستانيات تغطية الرأس عند سماع الأذان حتى لو كانت المرأة غير متحجبة في العادة.
وتمتنع النساء عن ارتداء الملابس التقليدية بألوانها الزاهية المزركشة حتى رؤية قمر شهر شوال. بينما يلبس الجميع الملابس الجديدة خلال الأيام الأحادية من العشر الأواخر.
تقول حرم القائم بالأعمال في سفارة جمهورية باكستان الإسلامية في أبوظبي نور العين جان إن أكثر المشروبات المنعشة شهرة هو مشروب «روح أفزا» أو «جامي شيرين»، وبعض الباكستانيين يخلطون هذا الشراب مع الحليب ليشكل عصيراً أكثر كثافة، ويضيف إليه معظم الناس لوزاً مبشوراً، بينما يفضله البعض الآخر ممزوجاً بفواكه مجففة لإضافة نكهات أخرى لذيذة وصحية، وللحصول على شراب طازج، تحضر تلك المشروبات من المواد المتوفرة يومياً، ويتم تحضير العصائر الطازجة في البيت من الفواكه الطازجة.
وتضيف: «يعمل البنجابيون على تحضير شراب «شاتوو» قبل قدوم رمضان بفترة من الوقت. وهذا الشراب هو خليط من عدة مكونات هي الفواكه المجففة والسكر وعصير الليمون، ويمكن خلطه مع أي نوع من السوائل الأخرى مثل الماء أو الحليب، وهو منعش للغاية». أما الأطباق الأكثر شيوعاً على المائدة الباكستانية في شهر رمضان بشكل يومي فهي «تشات الفواكه» أي سلطة الفاكهة و»باكورا» و»خيير» وحلوى «البودنغ».
تقول حرم القائم بالأعمال الباكستاني إن العادات تختلف من بيت لآخر، لكن المساجد تكتظ دوماً بالمصلين، كما تفتح أبوابها لإقامة موائد الإفطار، حيث يرسل الصائمون بوجبات الإفطار من موائدهم إلى المساجد القريبة منهم بشكل يومي. ويحرص الباكستانيون عموماً على الإفطار مع الأهل والأصدقاء والجيران، حيث يحبون التجمع في هذه اللحظات الثمينة. ويمكن للعائلة الواحدة أن تقضي الشهر بأكمله في ضيافة أو بمشاركة آخرين على موائد الإفطار.
ليلة النصف وليلة القدر ولليلة النصف من رمضان أهمية خاصة عند الشعب الباكستاني، مثل ليلة القدر تقريباً. وتقول نور العين جان: «لقد أنزل القرآن في ليلة القدر، ونظراً لأن قيمتها تساوي بحسب ما ذكر في القرآن الكريم ألف شهر فإنها مقدرة جداً وتحظى بأهمية بالغة عند الباكستانيين، ويعكف الباكستانيون فيها على الصلاة في البيوت أو المساجد تقرباً لله تعالى طوال الليل». توضح حرم القائم بالأعمال الباكستاني أن المرأة لا تخرج للمساجد خلال رمضان. وتحرص على أداء الصلوات في بيتها. وتضيف: «لأن شهر رمضان الكريم يعتبر فرصة لكسب المزيد من الأجر للمسلمين بالأفعال الصالحة، فلا يوجد فرق كبير بين طقوس المسلمين في جميع مناطق باكستان. فالناس تقوم بالشعائر نفسها في الوقت نفسه، لكن في العشر الأواخر يحب ميسورو الحال ارتداء الملابس الجديدة وتوزيع الهبات والعطايا على المحتاجين».
توضح نور العين جان أن رمضان يوحد كل باكستان سواء في الماضي أو الحاضر، بحيث تكاد تختفي الفروق بين الأمس واليوم خاصة على المائدة الرمضانية، إلى ذلك تقول: «ما من فروق كبيرة بين مائدة رمضان بين الماضي والحاضر، عدا أن الناس كانوا معتادين على تحضير الطعام بشكل دائم في بيوتهم، أما اليوم فهناك الكثير من الأطعمة الجاهزة والمعدة مسبقاً متوفرة في الأسواق، وهي مفيدة من أجل تغيير المذاقات وكذلك توفيراً للوقت والجهد». وتدب الحركة في الشوارع أمام محلات بيع الباكورة وغيرها من المأكولات الباكستانية التي يفضل الناس شراءها من السوق أكثر، أما بالنسبة للسحور فإنه ما زال يشكل وجبة الطعام الرئيسية، ومناسبة اجتماعية مفعمة بالوئام والإيمان، وتكاد بعض الأسر لا تجتمع إلا عليها طوال العام ويدعى لها الأصدقاء والأقارب. ويتبادل الجيران الإفطار حيث تشاهد الصحون مع الأطفال قبيل الإفطار فيها حبات من التمر وتشكيلة الإفطار المعتادة ليعود الصحن في اليوم التالي إلى أهله محملاً بما لذ وطاب من إفطار الجيران.
وما زال المسحراتي يقوم بدوره التاريخي التطوعي، ومعه الطبلة التقليدية التي يعلن بالدق عليها عن قرب وقت السحور، بينما يتناوب سكان الحي في تقديم السحور له ويتقاضى أجرته من زكاة الفطر في آخر الشهر.
أهل القرى
تشير نور العين جان إلى أن أهل المناطق الريفية من باكستان، يفضلون الحلويات والمشروبات الطبيعية، وكذلك العديد من أنواع الأطعمة مقارنة بالخيارات الواسعة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق المدنية ممن تتاح لهم الخيارات الواسعة من الأطعمة، ومنها «روح أفزا» و»جامي شامين» و»بودينغ رامين» وهي بعض مكونات المائدة الباكستانية خلال جميع أيام رمضان.
العيد
تقول نور العين جان إن عيد الفطر هو مكافأة كبيرة من الله بعد شهر كامل من الصيام في رمضان، موضحة أن هذه المناسبة تشكل فرحة بالنسبة للباكستانيين، وتضيف: «يحتفل بهذه المناسبة الدينية بكثير من البهجة وفق التقاليد والعادات، والباكستانيون مثل جميع المسلمين في العالم، يعملون على تحضير أجواء خاصة في عيد الفطر، بحيث يرتدون الملابس الجديدة التي يتم اختيارها بما يتناسب مع كل منطقة، بحيث تعرف البلد تنوعاً كبيراً في الزي التقليدي الذي يختلف باختلاف هذه المناطق، فالناس في القسم الشمالي الغربي من باكستان يرتدون «الشلوار قميز» مع «الشابال»، أما الناس في وسط باكستان فيرتدون «الكورتا» المطرزة، بينما يرتدي الناس في الجزء الجنوبي من باكستان «الشلوار قميز» الثقيل مع «الخوسا الأجراك».
تجربة رمضان
وتحمل نور العين جان العديد من الذكريات المتعلقة برمضان من خلال تجاربها في مختلف الدول. وتقول «لقد قضيت رمضان في عدة بلدان من العالم منها روسيا ورومانيا والمملكة المتحدة بالإضافة طبعاً إلى الإمارات. والصيام في بلدان باردة يعتبر أسهل مقارنة بالبلدان ذات الأجواء الحارة. وتشير إلى أن رمضان في الإمارات قريب لقلبها، مؤكدة أنها لا تشعر بغربة على اراضيه بعد ثلاث سنوات من العيش فيه. وتضيف: «استمتعت بأجواء رمضان كثيراً هنا، والإمارات هو البلد الذي أفضله كثيراً لما فيه من تشابه كبير بالثقافة الباكستانية من حيث الطقوس الإسلامية، بالإضافة إلى الأطباق التقليدية العربية خلال شهر رمضان. وستبقى الإمارات دائماً في الذاكرة».
تأثير التنقل
للحياة الدبلوماسية جوانب إيجابية عدة، كما لها بعض الجوانب السلبية وبخاصة فيما يتعلق بالأطفال الذين يكبرون في أكثر من بلد بعيداً عن موطنهم الأصلي، ويضطرون للتنقل من مجتمع لآخر تاركين كل ما أسسوه من علاقات وصداقات خلفهم.
تقول نور العين جان: «نعم، بالطبع هناك تأثير كبير للانتقال بين بلد وآخر فيما يتعلق بالأطفال ودراستهم، لكنهم عندما يكبرون في بلد لفترة من الوقت تصل إلى عدة سنين، سيواجهون صعوبة كبيرة للتأقلم في محيط آخر مختلف، ولكن لكل مهنة أو عمل تحديات، ويجب أن ننظر إليها من الجانب الإيجابي، وبالتالي فإن تنقل الأولاد من بلد لآخر يزيد من معارفهم ويغني ثقافاتهم، بحيث تشكل هذه التنقلات فرصة للتعرف على العادات المتنوعة والثقافات لمختلف البلدان وكذا من خلال إقامة صداقات جديدة».
احتفالات خاصة لصيام الأطفال
وتشير حرم القائم بالأعمال الباكستاني إلى أن الأطفال يحظون بعناية خاصة خلال الشهر الفضيل في باكستان، من حيث تشجيعهم على الصوم في سن صغيرة، موضحة أن ذاكرتها لا تزال تحتفظ بتلك الاحتفالية التي أقامتها عائلتها عند صومها الأول، وتضيف «إنه تقليد رائع لتحضير الطفل نفسياً في المستقبل على الصيام في رمضان.
فالأطفال في بلادي يتم تشجيعهم على الصيام من خلال ذكر الأجر والثواب والبركة لصيام شهر رمضان المبارك، وتشجيعهم من خلال تجهيز بعض الأكلات الخاصة المحببة لديهم، بحيث يتم تحضير أطباق خاصة للأطفال على الإفطار عندما يصومون، وتكون مائدة الإفطار معدة بشكل احتفالي لتكريمهم على ما بذلوه من جهد، وعلى التزامهم، وفي هذا الإطار فإنني ما زلت أتذكر عندما كنت في سن السابعة، حينها صمت لأول مرة، بحيث قام والداي بدعوة ضيوف لبيتنا في ذلك الوقت، وكنت سعيدة جداً وفخورة حينها، وسأكرر نفس التجربة مع ابنتاي الصغيرتين عندما يحين وقت صيامهما».