قال التقرير الصادر عن البنك الوطني امس الثلاثاء لقد أنهت أسعار النفط العام 2016 مسجلة ارتفاع لتصل إلى أواخر الـ 50 دولار للبرميل وسادت الأسواق أجواء من التفاؤل بشأن قوة مستويات الأسعار في العام 2017 إثر توصّل الدول الأعضاء بمنظمة أوبك وخارجها إلى اتفاق لخفض الإنتاج. إذ ارتفع مزيج برنت إلى ما يقارب 57 دولار للبرميل بحلول نهاية العام مرتفعا بواقع 52.4 بالمئة في 2016 كما أنهى مزيج غرب تكساس المتوسط العام عند مستوى 53.7 دولار للبرميل مرتفعا بواقع 45 بالمئة منذ مطلع العام.

وبالنظر إلى أسعار العقود الآجلة لمزيج برنت حتى العام 2020 فإن ارتفاع الأسعار يبدو سابقا لأوانه. إذ يبدو أن منحنى أسعار العقود الآجلة يسير في بدايته وفق حالة الكونتانجو التي تتمثل في تراجع الأسعار الحالية عن الأسعار الآجلة إلى العكس في النصف الأول من العام 2017 ومن ثم يعود إلى حالة الكونتاتجو في نهايته. ويبدو أن تحركات المنحنى تتوافق وتوقعات الأسواق الحالية التي ترجّح تراجع الانتاج الخام في النصف الأول من العام 2017 تماشيا مع التحركات للتحكم بمستوياته ما سيؤدي بدوره إلى انتقال الأسواق من الفائض إلى العجز. ولا تزال الأمور غير واضحة تماما في المراحل المستقبلية إلا أنه من المحتمل جداّ أن يساهم ارتفاع الأسعار في ارتفاع انتاج النفط الصخري الأميركي حيث بدأت بعض الشركات المنتجة بعمليات البيع القصيرة ما أدى إلى تراجع الضغوطات على الأسعار. 

وقد اختلفت الأوضاع تماما عمّا كانت عليه في بداية العام 2016 لا سيما وأن الأسعار كانت قريبة من مستوى 26 دولار للبرميل في ظل ارتفاع المخزون إلى مستويات قياسية واستمرار وفرة الانتاج بتوليد الضغوطات على الثقة في الأسواق كل ذلك إلى جانب قيام منظمة أوبك في تلك الفترة بما فيها إيران بعد عودتها الى اسواق النفط فور رفع العقوبات عنها مع روسيا أيضا بزيادة الانتاج من أجل زيادة الحصة السوقية. حيث كانت الأوضاع أشبه بسباق بين الدول المنتجة لرفع انتاجها. إلا أن فترة إثني عشر شهرا تعد فترة طويلة في أسواق النفط التي تواجه حاليا وفرة في الانتاج. إلا أن الثقة قد شهدت ارتفاعا ملحوظا وذلك إثر اتخاذ أوبك قرار خفض الانتاج في الثلاثين من نوفمبر لأول مرة منذ ثماني سنوات في محاولة منها لمواجهة المخزون العالمي المتزايد واستمرار وفرة الانتاج لمدة عامين. إذ قررت المنظمة بقيادة السعودية خفض انتاجها بواقع 1.2 مليون برميل يوميا ليصل انتاجها إلى 32.5 مليون برميل يوميا لفترة ستة أشهر بدءا من يناير 2017. وتنص الاتفاقية على التزام جميع الدول الأعضاء بخفض الانتاج بواقع 4.5 بالمئة من مستوى انتاجها المسجل في أكتوبر وذلك باستثناء كل من إيران ونيجيريا وليبيا وأندونيسيا التي قد خرجت من عضوية المنظمة. وستخضع جميع الدول الأعضاء إلى مراقبة مشددة من قبل لجنة ترأسها الكويت. كما وافقت أيضا العديد من الدول المنتجة من خارج منظمة أوبك بخفض الانتاج بواقع 558 ألف برميل يوميا خلال هذا العام مثل المكسيك وكازاخستان وعمان بقيادة روسيا.

وتشير التقارير الصحفية أن السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى قد أبلغت الجهات المستوردة عن تخفيضها لكميات الانتاج التي ستصدرها بدءا من الشهر الحالي. وقد أشارت الصحف الكويتية خلال الاسبوع الاول من 2017 إلى انخفاض انتاج الدولة رسميا في يناير بواقع 130 ألف برميل يوميا ليصل إلى 2.75 مليون برميل يوميا. كما أعطت روسيا أيضا التوجيهات ذاتها لشركات الانتاج.

ولكن بالنظر إلى إجمالي انتاج أوبك البالغ 33.87 مليون برميل يوميا في نوفمبر قد تحتاج المنظمة إلى القيام بالمزيد من الخفض. إذ يعد هذا الإجمالي أعلى من مستوى المنظمة المسجل في أكتوبر بواقع 150 ألف برميل يوميا وذلك بعد عودة الانتاج في كل من ليبيا ونيجيريا. وقد يقع على عاتق السعودية ودول مجلس التعاون مهمة مواجهة تلك الزيادات من خلال القيام بالمزيد من الخفض في انتاجها وذلك في حال أرادت المنظمة البقاء ضمن نطاق انتاجها المحدد.

وقد أظهرت بيانات أميركا لشهر ديسمبر تسارع نشاط حفارات التنقيب الذي شهد ركودا ليسجل أسرع وتيرة له منذ مارس من العام 2014 مضيفا في نهاية الشهر 65 حفارة ما ساهم في رفع عدد حفارات التنقيب الأميركية إلى أعلى مستوى منذ يناير الماضي لتصل إلى 525. وعاود انتاج أميركا ارتفاعه إلى ما يقارب 8.7 مليون برميل يوميا على الرغم من تسجيل تراجع لاسبوعين متتاليين. وقد دفع هذا الارتفاع في نشاط انتاج النفط الصخري وكالة الطاقة الدولية إلى رفع توقعاتها بشأن نمو انتاج أميركا للعام 2017 بواقع 70 ألف برميل يوميا.

ومن جانب الطلب فقد رفعت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها بشأن الطلب العالمي للعام 2016 والعام 2017. إذ تقدر الوكالة حاليا ارتفاع نمو الطلب بواقع 120 ألف برميل يوميا ليصل إلى 1.4 مليون برميل يوميا في العام 2016 وارتفاعه بواقع 100 ألف برميل يوميا ليصل إلى 1.3 مليون برميل يوميا في العام 2017 إثر ارتفاع الطلب على انتاج أميركا الذي جاء افضل من التوقعات بالإضافة إلى مراجعة بيانات روسيا والصين.

من المحتمل أن تؤدي القوة النسبية في مستوى الطلب مع خفض الانتاج من قبل الدول التابعة لأوبك وغير التابعة لها إلى تسجيل عجز في ميزان الانتاج والطلب خلال النصف الأول من العام 2017. وترجّح وكالة الطاقة الدولية إلى بلوغه 0.6 مليون برميل يوميا. وقد تتمكن المنظمة من تحقيق هدفها في حال انعكس ذلك على تحركات أسعار النفط بحلول اجتماع المنظمة بين وزراء نفط الدول الذي من المزعم عقده في يونيو. ولكن من الجدير بالذكر أن نجاح مساعي المنظمة أمرا لا يشترط فقط التزام الدول بسقف الانتاج المقرر لها (مع الأخذ بعين الاعتبار تجاوزاتها السابقة بخصوص سقف الانتاج) ولكنه أيضا رهن تحركات انتاج النفط الصخري الذي يجب ألا يسجل المزيد من الارتفاع. ويبدو على أي حال أن منظمة أوبك ستحافظ على دورها الأساسي في التحكم بتحركات الأسواق خلال العام 2017 كما كان الحال في العام 2016.