تمثل قوة درع الجزيرة أبلغ تجسيد للتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وترجمة حقيقية لمتانة العلاقات والروابط والمصير المشترك الذي يجمعها في وجه التحديات الماثلة أمامها لاسيما في الظروف الإقليمية والعالمية الراهنة.
 وفي رحاب الذكرى ال34 لتأسيسه في 25 مايو 1981 أثبت مجلس التعاون الخليجي على مر السنوات أنه أحد أهم وأنجح التجمعات الإقليمية من نوعه في العالم ومن أهم روافد العمل العربي المشترك في شتى المجالات لاسيما الدفاعي وحفظ الأمن القومي الخليجي والعربي.
 ويتبدى أمامنا بوضوح أهمية دور هذا المجلس وقدرته على الوقوف بثبات أمام المتغيرات وتحقيق آمال دوله وشعوبها في شتى المجالات ومنها الوقوف في وجه الأطماع والتدخلات الخارجية.
 ففي الدورة الثالثة للمجلس في المنامة عام 1982 وإدراكا من قادة دول المجلس بأن النمو والازدهار اللذين تنعمان بهما دول المجلس لا يمكن له ان يتحقق ويتطور إلا في بيئة آمنة ومستقرة فقد أقر المجلس الأعلى للمجلس إنشاء قوة عسكرية مشتركة لدول المجلس اطلق عليها (درع الجزيرة).
 وجاء في البيان الختامي للدورة المذكورة أنه «في مجال استعراض نواحي التنسيق العسكري فيما بين دول المجلس فقد اقر المجلس توصيات وزراء الدفاع في دول المجلس الهادفة إلى بناء القوة الذاتية للدول الأعضاء والتنسيق بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها في حماية امنها والحفاظ على استقرارها».
 وتضمن ذلك البيان أنه «في مجال استعراض نواحي التنسيق العسكري بين دول المجلس فقد اقر المجلس توصيات وزراء الدفاع في دول المجلس الهادفة الى بناء القوة الذاتية للدول الأعضاء والتنسيق بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها في حماية امنها والحفاظ على استقرارها».
 وغداة تأسيسه أكد قادة دول المجلس أهمية هذا الكيان في (إعلان أبوظبي) الصادر عن الدورة الأولى للمجلس الأعلى عام 1981 «أن ظهور مجلس التعاون لدول الخليج العربي الى الوجود يعني استجابة للواقع التاريخي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الذي مرت وتمر به منطقة الخليج العربي وهو اشد ما يكون الحاحا في الوقت الحالي اكثر منه في أي وقت مضى لمصلحة شعوب المنطقة».
 وأشار الاعلان الى ان شعوب الخليج تنظر اليوم الى حكوماتها كي تحل لها المعادلة الصعبة وهي الوصول الى تنمية حقيقية ومستمرة من جهة والحفاظ على السلام الاجتماعي والامن والتقدم من جهة اخرى.
 ولم تهمل مبادئ مجلس التعاون الخليجي حسبما تضمنها البيان الختامي للدورة الاولى للمجلس الاعلى لمجلس التعاون والتي اكدتها البيانات الختامية الصادرة عن الدورات التالية لم تهمل الجانب الامني والدفاعي اذ أشارت الى ان أمن منطقة الخليج واستقرارها انما هو مسؤولية شعوبها ودولها.
 وأكدت تلك المبادئ ان قيام مجلس التعاون هو تعبير عن ارادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن امنها وصيانة استقلالها ورفضها المطلق لاي تدخل اجنبي في المنطقة علاوة على بناء قوة ذاتية للدول الاعضاء والتنسيق فيما بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها في حماية امنها والحفاظ على استقرارها.
 وعلى هذا الصعيد أكد عدد من المسؤولين في الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمحللين السياسيين في تصريحات متفرقة لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم ان قوة درع الجزيرة مؤشر بارز على التضامن والمسؤولية الجماعية لدول المنطقة وعلامة فارقة في حفظ امن المنطقة واستقرارها.
 وقال عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى لدول التعاون الخليجي ورئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية عبدالله بشارة ان قادة دول المجلس عندما وقعوا وثيقة انشاء المجلس «لم تحو الوثيقة اشارة الى الجانب الدفاعي او الامني على اساس ان تنطلق سياسيا واقتصاديا وتجاريا في تجمع خليجي مثمر».
 واضاف بشارة الذي شغل منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي حينها ان «اصحاب السمو والجلالة القادة اكتشفوا بالممارسة أنه لا بد من ان يكون هناك اطار يحمي المنجزات التي يطمحون لها» وقد تم الاتفاق خلال القمة الثانية في الرياض بنوفمبر عام 1981 على تشكيل لجنة عسكرية والتي تابعت بدورها الوضع الامني في المنطقة وقدمت تقارير تنتهي الى ضرورة وجود تعاون امني ودفاعي بين الدول الاعضاء.
 واوضح ان وزراء الدفاع في دول المجلس اجتمعوا عام 1982 لتنفيذ التوصيات التي اقرت في الرياض واتفقوا خلال الاجتماع على مبدأ ان امن الخليج مسؤولية جماعية والحفاظ على سيادة واستقرار الدول الاعضاء واجب جماعي تنهض به جميع الدول الاعضاء.
 وبين ان وزراء الدفاع اشاروا خلال الاجتماع ايضا الى ضرورة الاتفاق على امر يرمز الى هذه الجماعية وعلى تصميم دول المجلس للحفاظ على سيادة وسلامة الدول الاعضاء فطرحوا فكرة انشاء قوة درع الجزيرة وهي «عنوان للتصميم الجماعي فهي ليست قوة رادعة بقدر ما هي قوة منذرة تقول ان مسؤولية الخليج وامنه واستقلاله تنهض به هذه الدول الست».
 وذكر ان قادة دول المجلس اقروا توصيات وزراء الدفاع ووافقوا في اجتماع الدورة الثالثة بالمنامة عام 1982 على انشاء هذه القوة باسم درع الجزيرة مضيفا ان هذه القوة عندما تحركت وتتحرك في مناسبات عديدة فانها تترجم التصميم الذي اقر من القادة.
 وقال عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى لدول التعاون الخليجي ورئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية عبدالله بشارة ان امن الخليج «عالمي فجميع دول العالم واستقرارها وازدهارها مرتبط بأمن دول الخليج باعتبارها المصدرة للنفط الذي يحرك وقود الازدهار العالمي وان انتاج النفط وممراته وسلامتها وايصالها لجميع دول العالم المستهلكة امر مرتبط باستقرار الاسرة العالمية».
 واضاف انه «لذلك يعد الامن الخليجي هما عالميا ومن اولويات المجتمع الدولي وان وجود الولايات المتحدة الاميركية منذ سنوات في المنطقة معبر عن الاجماع العالمي بالامن الخليجي» مفيدا بأن الجميع يؤمن ان هذه المنطقة الحساسة ذات خاصية فريدة يجب ان تبقى سالمة.
 واشار الى اجتماع اصحاب السمو والجلالة قادة دول مجلس التعاون مع القيادة الاميركية في (كامب ديفيد) والتي انتهت مباحثاتهم بالتأكيد على خصوصية الخليج وخاصية الامن في دول مجلس التعاون اضافة الى «القوة الناعمة لدول المجلس المتمثلة في مساهماته بالامن الاقتصادي العالمي وسلامته وازدهاره».
 وأكد ان مجلس التعاون يمثل اليوم الحضن الاستراتيجي لجميع دول العالم والمسؤول عن حفظ واستقرار المنطقة مشيرا الى ان درع الجزيرة علامة مؤشرة على التضامن والمسؤولية الجماعية التي يجب ان تنهض بها دول الخليج.
 وفيما يتعلق بالتعاون العسكري بين دول المجلس في عمليتي (عاصفة الحزم) و(اعادة الامل) اوضح ان تعاون دول الخليج في هاتين العمليتين مؤشر على المنظور الجماعي لدول مجلس التعاون لتحقيق الامن والاستقرار في جميع اركان وزوايا المنطقة.
 واوضح ان هذه العملية جاءت بعد ما شعرت دول المجلس ان هناك تهديدا للباب الخلفي ومنطقة جنوب المملكة العربية السعودية صادرا من بعض الجماعات المتطرفة باليمن فتحركت الدول وبهدوء وفعالية وترجمت تعاونها الدفاعي النظري الى خطوات فاعلة ومرئية.
 واشاد بحكمة القيادة الخليجية التي اقامت مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 «عندما زاد التوتر في المنطقة نتيجة الحرب العراقية الايرانية» مشيرا الى ان المجلس موجود بعطاء وايجابية وباعتراف عالمي بمصداقيته واعتداله وتأثيره في كل جزء من اجزاء المعمورة.
 وافاد بشاره بأن هذا القرار التاريخي الذي اتخذه اصحاب السمو والجلالة عام 1981 كبر وترسخ وانتشر عالميا حاملا رسالة الخليج الطيبة الانسانية البناءة.
 يذكر ان عبدالله بشارة تولى منصب الامين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بين عامي 1981 و1993 ويحمل عضوية الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى لمجلس التعاون اضافة الى رئاسته للمركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية.
 من جانبه قال استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله الغانم ان مجلس التعاون الخليجي كونه يسعى الى تحقيق نوع من الامن الجماعي فهو لا يقتصر على قضية التعاون الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي بل كان التعاون الامني هو الاساس.
 واضاف الدكتور الغانم ان مجلس التعاون الخليجي تأسس لمواجهة اخطار الحرب العراقية الايرانية باعتبارها اخطارا امنية وعسكرية بالدرجة الاولى و»هذا ما يجعل من وجود قوة عسكرية للمجلس ضرورة امنية».
 وذكر ان الاوضاع التي «نعيشها اليوم تظهر ان القضية الامنية لم تعد متعلقة بجبهة واحدة من الاخطار العسكرية كما كان عندما تم تأسيس مجلس التعاون الخليجي فالاوضاع في العراق وسوريا واليمن وقلاقل الصراع العربي الاسرائيلي تبين ان منطقة الخليج العربي اصبحت محاطة بحلقة من الازمات الامنية والكثير منها ذات طابع عسكري وهو ما يجعل قضية التعاون العسكري ضرورة اكبر اليوم مما كان موجودا في السابق».
 واوضح ان «درع الجزيرة لم يكن يمارس دورا كبيرا جدا في تدخلاته الامنية منذ سنوات طويلة لكن برز دوره في حرب تحرير الكويت عام 1991 وتأمين الوضع الداخلي في مملكة البحرين قبل سنوات قليلة» مشيرا الى ان اجتماع المجلس الاعلى لدول مجلس التعاون الخليجي الاخير سعى الى تطوير التعاون العسكري ليشمل الجانب البحري وهو ما يعد توسعا محمودا لهذه القوة.