- النائب السابق عبدالمحسن جمال: من قراءتي لمحاضر اجتماعات لجنة الدستور للمجلس التأسيسي « 5ـ6ـ1962» تبين أن الأصل كان عدم  اعطاء الوزراء حق التصويت في المجلس
- الكاتب مصطفى الصراف: لا يجب تصويت الحكومة في حالتين احداهما اختيار رئيس مجلس الأمة والثانية رفع الحصانة عن أي نائب
- الكاتب عبد اللطيف الدعيج: حق الوزراء في التصويت حق دستوري عليهم واجب ممارسته بما يتفق والسياسة العامة للحكومة

ما يميز النظام السياسي والديمقراطي الكويتي أنه  جاء خليطا بين النظامين الرئاسي والبرلماني فاخذ ايجابيات كل نظام وترك سلبياته وهذا ما اوضحته المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي الصادر في 11 نوفمبر 1962 لدعم استقرار النظام السياسي للبلاد. وتعد قضية “ تصويت وزراء الحكومة داخل مجلس الامة “ من القضايا التي يتضح فيها ان النظام الديمقراطي الكويتي يجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي .
وفي ظل المطالبة بحيادية الحكومة في انتخابات رئيس مجلس الامة في جلسة اليوم ، انقسم الخبراء والمراقبون ما بين مؤيد ومعارض لتصويت الوزراء في انتخابات مناصب مجلس الامة خاصة رئيس المجلس وعضوية اللجان. 
وفي السطور التالية نتناول القضية من جوانبها المتعددة :
بداية يحكم عملية تصويت الوزراء في جلسات مجلس الامة مواد الدستور وقانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ، فالمادة 80 من الدستور تنص على “ يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم.
ويفهم من هذه المادة حق الوزراء في ممارسة حقوق عضويتهم في المجلس ومنها التصويت في انتخابات مناصب المجلس واللجان والقوانين ، الا ان المادة 101 من الدستور وضعت حظرا مهما على الوزراء بمنعهم من التصويت في حالتين الاولى لا يصةت الوزراء على طلب طرح الثقة في احد الوزراء بعد استجوابه ، ولا يصوت الوزراء ايضا على كتاب عدم التعاون مع رئيس الوزراء طبقا للمادة 102 من الدستور والتي احالت طريقة التصويت على كتاب عدم التعاون الى المادة 101 من الدستور .
ونصت المذكرة التفسيرية للدستور على عدم تصويت الوزراء في طلبات طرح الثقة وعدم التعاون حتى الوزراء المنتخبين لا يصوتون في الحالتين.
وبالنسبة لمواد اللائحة الداخلية لمجلس الامة فهي تتفق مع مواد الدستور في ذلك تماما ، وتنص المادة 1 من اللائحة على انه “ يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا لقانون الانتخاب. ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة.
وتتفق المادة 143 من اللائحة الداخلية للمجلس مع المادتين 101 و  102  من الدستور بحظر تصويت الوزراء في طرح الثقة باحد الوزراء وعدم التعاون مع رئيس الحكومة  وحول رأي الخبراء والمراقبين ، يقول النائب السابق د. عبدالمحسن يوسف جمال : من قراءتي لمحاضر اجتماعات لجنة الدستور للمجلس التأسيسي تبين ان الأصل كان عدم اعطاء الوزراء حق التصويت في المجلس، كما جاء في المقترح الابتدائي ثم عدل الى اعطائهم الحق. وأحببت ان اشرك القارئ معي في استعراض كيفية النقاش الذي تم في اللجنة التي عقدت جلستها بتاريخ 5ـ6ـ1962.حيث كان مقترح المادة ابتداء كما يلي: «الوزراء الذين ليسوا اعضاء في مجلس الامة لهم حق حضور جلساته والاشتراك في مناقشاته من دون ان يكون لهم حق التصويت» وهنا اعترض الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، الذي كان وزيراً للداخلية بقوله: لماذا يحرم الوزراء المعينون من خارج المجلس من التصويت؟ فاجابه الدكتور عثمان خليل الخبير الدستوري للمجلس بقوله: لانهم ليسوا اعضاء في مجلس الامة، والقرارات تصدر عن المجلس وباسمه.
وكذلك اجاب وزير العدل السيد حمود الزيد الخالد، رحمه الله: الوزراء المنتخبون يصوتون بصفتهم اعضاء في المجلس لا بصفتهم وزراء، اما الوزراء المعينون فليسوا اعضاء في مجلس الامة،ولذا فلا حق لهم في التصويت. الشيخ سعد العبدالله: ولكنهم اعضاء في مجلس الامة بحكم وظائ‍فهم؟
فاجابه السيد يعقوب الحميضي: هذا في الدستور المؤقت، ولا يكون ذلك في الدستور الدائم.
الشيخ سعد العبدالله: كيف وهم يعينون في مجلس الوزراء حسب هذا الدستور الجديد؟
السيد يعقوب الحميضي: هذا التعيين في مجلس الوزراء وليس في مجلس الامة، وكما اننا لا نسمح بأن يتدخل اعضاء مجلس الامة في الشؤون الخاصة بمجلس الوزراء، كذلك يجب على الوزراء غير الاعضاء في مجلس الامة الامتناع عن التدخل في الشؤون الخاصة بعضوية مجلس الامة.
الشيخ سعد العبدالله: لماذا لا يكون وضع الوزراء في مجلس الامة المقبل على غرار وضعهم في المجلس التأسيسي الحالي؟ السيد حمود الزيد الخالد: هذا لا يجوز في البرلمان لان البرلمان يمثل الشعب ويجب ان ينتخب اعضاؤه كلهم، ولا يجوز التعيين فيه.
ثم دار نقاش متشعب حول هذا الموضوع وحول امكان تعيين بعض الاعضاء في المجلس من غير المنتخبين، الى ان حسم الموضوع رئيس المجلس السيد عبداللطيف ثنيان الغانم، رحمه الله، بقوله: اقترح ان يكون للوزراء المعينين من خارج المجلس حق التصويت فقط من دون ان يكونوا اعضاء في المجلس، على ان يسحب هذا الحق اذا سحب المجلس الثقة منهم حتى نرفع الحرج بين الوزراء انفسهم ولا يكون لبعضهم الحق في التصويت والبعض الآخر ليس له حق مماثل. الدكتور عثمان خليل: هذا اقتراح وسط لا بأس به، ولكني ارى تعديلا قليلاً بحيث لا يصبح للوزراء المعينين من خارج المجلس حق التصويت على الثقة بزملائهم. السيد يعقوب الحميضي: انا اعترض على ذلك كله، واطلب ان تبقى المادة كما جاءت في المشروع اي الا يكون للوزراء المعينين من خارج المجلس حق في التصويت وارجو تسجيل اعتراضي في المحضر.
السيد حمود الزيد الخالد (وزير العدل): لا يجوز مطلقا لغير اعضاء المجلس ان يصوتوا على قراراته.
وهنا تم حسم الموضوع بالتصويت، حيث تم تعديل المادة لتكون «ويكون لهم (اي الوزراء) حق التصويت فيما عدا حالة الاقتراع على الثقة» ونالت موافقة 3 ضد 2. وهنا نرى لو ان التصويت جاء بغير ذلك ومنع الوزراء من التصويت لتغير مسار الجلسات في مجلس الامة كثيرا، وهنا ايضا نجد ان صوتا واحدا غيّر مجرى الاحداث كلها. لايجب تصويت الحكومة في اختيار رئيس المجلس ويقول الكاتب مصطفى الصراف : الأمران اللذان لا يجب تصويت الحكومة فيهما هما:أولاً: اختيار رئيس مجلس الأمة، لأن منصب رئيس مجلس الأمة قد جاء حكراً لمن يشغله أن يكون من النواب المنتخبين من قبل الشعب، وليس من أعضاء الحكومة، بحكم انهم معتبرون أعضاء في مجلس الأمة، وفقاً للنظام الدستوري الكويتي، كما جاء في المادة 80 منه، ومن ثم ومن باب حسن السياق الدستوري يجب ألا يشارك في انتخاب رئيس مجلس الأمة إلا الخمسون نائباً، الذين جاءوا بالانتخاب الشعبي، ولا بأس أن يصوت من تم توزيره من النواب المنتخبين، لأن الوزراء لهم رئيس هو رئيس مجلس الوزراء، ويتحتم عليهم أن يتضامنوا مع إرادته، ما لم يسمح لهم بالتصويت كل وفق إرادته، وهذه الحالة الأخيرة لو حدثت تضعف التضامن الوزاري، كما أن الوزراء غير المنتخبين لم يأتوا بإرادة شعبية، وإن كان مصدر تواجدهم نواباً هو بموجب نص دستوري، لأن هذا النص جاء استثناء على الأصل العام، وهو مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، فجعل لأعضاء الحكومة صفتين، فهم وزراء من ناحية، ونواب من ناحية أخرى.
والأمر الثاني: هو عدم جواز تصويت الحكومة في رفع الحصانة عن أي نائب، لأن الحصانة أسبغت على النائب ابتداء لكي تمنع السلطة الإدارية، ممثلة في وزارة الداخلية أو وزارة العدل، وهما جهتان تابعتان للسلطة التنفيذية، من اتخاذ إجراءات قبل العضو كتوقيفه أو التحقيق معه، مفتعلة أي حادث أو موقف لإعاقته من حضور اجتماعات المجلس أو لجانه، مما يؤدي إلى تخلفه عن التصويت في أمر ما في غير مصلحة الحكومة، وهذا على خلاف ما يجري حاليا، حيث ان الحكومة تصوت متضامنة عادة عند التصويت لرفع الحصانة عن النائب مع رفع الحصانة، مما يخل بالحكمة التشريعية من إسباغ الحصانة على النائب، ويعتبر هذا موقفاً منحازاً ضد النائب، ومتخطياً الحكمة من إسباغ الحصانة عليه. ولو طبق هذان الأمران لكان في ذلك أكثر انسجاما دستوريا وتشريعيا، وبذلك يتكون عرف دستوري يبرر صياغته دستوريا بإضافته مادة في الدستور فيما بعد.
تصويت الحكومة واجب
في المقابل ، يقول الكاتب عبد اللطيف الدعيج في مقال له بعنوان “  من واجب الحكومة أن تصوت “ :  بعد التحرير كان الصراع على رئاسة مجلس الامة بين السيد احمد السعدون والمرحوم جاسم الخرافي. وقتها، كنا من مؤيدي السيد السعدون الذي لم تكن الحكومة ترغب في عودته او استمراره في رئاسة المجلس. لكن لما طرح البعض ضرورة حيادية الحكومة او امتناعها عن التصويت في معركة الرئاسة كان موقفنا في ذلك الوقت ان التصويت داخل المجلس حق دستوري للوزراء، من الواجب عليهم ممارسته ويجب الا يسلب منهم وفقا لمصالح وشهوات البعض. تستطيع الحكومة ان تمتنع او ان تنحاز لمشروع او طرف اذا كان هذا تعبيرا عن سياستها الخاصة. ووفقا لمناورات وتكتيكات سياسية مشروعة. لكن ان تتنازل عن حقها استجابة لدعوة البعض وتجنبا لاحراج مزعوم فان هذا التنازل هو تخل عن واجباتها الدستورية وتنصل من مسؤوليتها في الادارة والهيمنة على امور البلد.
وقتها طرح البعض ايضا ضرورة ان يترك الخيار للوزراء. كي يصوتوا فرديا في انتخابات الرئاسة واللجان. والواقع ان هذا اكثر سوءا من دعوة الحكومة الى الامتناع عن التصويت. فهو يستهدف التضامن الوزاري. ويسعى للقضاء عليه في المهد بجعل كل وزير يبتدئ نشاطه النيابي منفردا. وفي هذا مخالفة للعديد من المواد الدستورية والاصول البرلمانية.
حق الوزراء في التصويت، حق دستوري عليهم واجب ممارسته بما يتفق والسياسة العامة للحكومة. وهو في الواقع ما يميز نظام الحكم الكويتي الذي جاء خليطا من النظامين الرئاسي والبرلماني. واي تنازل من الوزراء عن ممارسة حقهم في التصويت هو إخلال بالتوازن بين البرلمانية والرئاسية في الحكم الذي «ابتدعه» المشرع الكويتي.
ان وجود الوزراء او النواب المعينين كان ضرورة لاثراء «التجربة» الديموقراطية في الكويت. وكان من المفروض ان يتم تجاوز هذه «البدعة» بفعل الخبرة والممارسة. لكن المؤسف انه نتيجة العبث الذي تولاه بشراهة بعض اركان السلطة منذ الستينات في اوضاع البلد السياسية والاجتماعية فاننا ما زلنا حتى اليوم بحاجة الى وجود «الكنترول» الرئاسي او التزاوج القسري بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني الذي ابتدعه المشرع الكويتي.
والى ان يتم تطوير نظام الحكم الكويتي او على الاقل تغيير المادة 80 من الدستور فان تصويت الوزراء في مجلس الامة وتضامنهم يبقى واجبا وليس حقا وحسب.