قال مختصون نفطيون «إن مشاورات يجريها بعض كبار منتجي النفط في العالم وعلى رأسهم روسيا وفنزويلا قبيل اجتماع منظمة أوبك الشهر المقبل للضغط باتجاه اتخاذ إجراءات تحفيزية لأسعار النفط التي ما زالت ضمن نطاق 65 دولارا للبرميل حاليا».
 
وشككوا في إمكانية حدوث تغييرات جذرية في الاجتماع المقبل للمنظمة، مشيرين إلى أن تغييرات جذرية حدثت في خريطة العرض والطلب في سوق النفط العالمية وأن استعادة الأسعار المرتفعة قادمة ولكنها تحتاج إلى بعض الوقت في ضوء عدد من العوامل القوية التي تتنازع السوق هبوطا وصعودا.
 
وقال رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة الدكتور فيليب ديبيش، «إن جهودا دولية حثيثة يبذلها بعض المنتجين للإسراع في دعم الأسعار واستعادة المستويات السابقة فوق المائة دولار رغم صعوبة تحقيق هذا الأمر خلال الفترة الراهنة».
وأضاف ديبيش أن «اتصالات مكثفة تجريها فنزويلا مع كبار المنتجين في «أوبك» من أجل إيجاد آلية لدعم الأسعار بشكل واسع لوقف النزيف الحاد الذي يعانيه الاقتصاد الفنزويلي بسبب تدني الأسعار».
 
وأوضح ديبيش أن تجربة فنزويلا بمزج النفوط الثقيلة والخفيفة لاقت نجاحا وقبولا واسعا بين بعض دول «أوبك» وزادت التجارة النفطية خاصة بين فنزويلا والجزائر وأنجولا لخدمة مشروع النفوط المخلوطة المشتركة التي فتحت أسواقا جديدة أمام منتجي «أوبك» تمكنهم من منافسة النفط الأميركي الخفيف.
 
وذكر ديبيش أن الخام المتوسط الجديد حقق نجاحات في عديد من الأسواق وزاد من أواصر التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في «أوبك».
 
وأشار ديبيش إلى أنه مع قرب عقد الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك في 5 (يونيو) المقبل تزداد التحركات والاتصالات بين الدول الأعضاء من أجل دعم الأسعار، موضحا أن الأسعار الحالية قرب 70 دولارا للبرميل قد تكون مرضية لمنتجي دول الخليج إلا أنها ما زالت ضعيفة بالنسبة لمنتجين آخرين على رأسهم روسيا وفنزويلا.
 
وقال ديبيش «إن قضية خفض الإنتاج سيتجدد بحثها في الاجتماع المقبل وستكون هناك ضغوط على المنتجين سواء من خارج أو داخل «أوبك» من أجل الإقدام على خطوة خفض الإنتاج لدعم الأسعار بعدما أصرت «أوبك» على عدم الإقدام على هذه الخطوة بشكل منفرد».
 
وتوقع ديبيش أن تكون الضغوط أكبر على روسيا لخفض الإنتاج على الرغم من صعوبة ذلك عمليا بسبب عدم وجود شركة حكومية واحدة مسيطرة على الإنتاج إلى جانب ظروف الطقس التي تحول دون إبطاء الإنتاج أو سهولة تخزينه.
 
وأشار ديبيش إلى أن العودة إلى مستوى المائة دولار هي طوق إنقاذ لعديد من الاقتصاديات في مقدمتها فنزويلا والجزائر وأنجولا وإيران ومن الصعب تحقيق ذلك في ضوء التنافس الشديد على الحصص السوقية ويتطلب الأمر توحد المواقف والقرارات الجماعية للمنتجين.
 
من جهته، يرى رئيس مجلس الأعمال الأوروبي سباستيان جرلاخ، أن الإحصائيات التي تكشف عن تباطؤ الطلب ذات تأثير واسع في السوق وتتسبب في تراجع الأسعار خاصة في ضوء استمرار حالة وفرة المعروض النفطي.
 
وقال جرلاخ «إن عزم إيران زيادة صادراتها بشكل كبير فور رفع العقوبات الاقتصادية يؤذن باستمرار حالة وفرة المعروض خاصة أن بعض التقارير الاقتصادية تؤكد أن توقف الحفارات النفطية في الولايات المتحدة لم يؤد إلى تراجع كبير في الإنتاج الأميركي وبالتالي تظل حالة المعروض في نمو مستمر ويظل التحسن بطيئا في الأسعار انتظارا لنتائج إيجابية قادمة عن اقتصاديات دول الاستهلاك».
 
وأضاف جرلاخ أن «اقتصاديات عديد من المنتجين تواجه صعوبات جمة مثل روسيا التي شهدت حالة واسعة من الانكماش الاقتصادي بسبب انخفاض الأسعار وتأثير العقوبات الاقتصادية كما تواجه ليبيا صعوبات أخرى بسبب اضطراب الإنتاج وتكرار الاعتداءات الارهابية على المنشآت النفطية وتعطل التصدير بصفة متكررة». وأشار جرلاخ إلى أن الاجتماع المقبل لـ «أوبك» سيكون هادئا من جانب غالبية دول الخليج التي نجحت من خلال سياساتها في الاحتفاظ بالحصص السوقية ووصول الإنتاج إلى مستويات قياسية مع اتجاه الأسعار إلى النمو المستمر، بينما ستكون الضغوط أكبر من الدول التي تحتاج إلى أسعار مرتفعة للغاية من أجل حث «أوبك» على العمل على تحسين مستوى الأسعار، منها فنزويلا وإيران والجزائر.
 
إلى ذلك أعرب المختص النفطي الاقتصادي والأكاديمي سالم فاليماماد في أنجولا عن اعتقاده بأن أسعار النفط الخام ستعود بصعوبة وبطء شديدين إلى مستوياتها المرتفعة السابقة، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى تغير خريطة العرض والطلب وأن عوامل الجغرافيا السياسية غيرت كثيرا من ملامح السوق العالمية للنفط.وقال سالم في تصريحات لنشرة «أوبك» الدورية «إن «الأزمة» الأهم التي تواجه المنتجين حاليا هي ضرورة الإسراع في اتخاذ تدابير اقتصادية فعالة وتسريع الاستثمار في قطاعات أخرى من الاقتصاد إلى جانب القطاعات النفطية وفى مقدمتها الزراعة والصناعة».وشدد سالم على أن النمو الاقتصادي في دول الإنتاج لا بد أن يأتي مستقبلا من أكثر من مصدر وأن تنويع الموارد والمصادر الاقتصادية هو السبيل الوحيدة لزيادة الدخل القومي في دول الإنتاج وهو الآلية الوحيدة لمواجهة البطالة وتوفير مزيد من فرص العمل.
 
واعتبر سالم أن انخفاض أسعار النفط الخام العالمية بأكثر من 50 في المائة منذ حزيران (يونيو) من العام الماضي أثر كثيرا في اقتصاد أنجولا وأدى إلى تخفيضات في ميزانية الدولة أقرت في شباط (فبراير) الماضي.
 
وأشار سالم إلى أن خسارة الإيرادات الضريبية تقدر بنحو 15 مليار دولار وبالتالي «فإننا نتوقع أن يكون هذا العام عاما صعبا جديدا على الاقتصاد الأنجولي في عديد من القطاعات».ومع ذلك يرى سالم أن الظروف الراهنة تتطلب الأخذ بعديد من الإصلاحات اللازمة والتدابير العميقة لتدارك الانعكاسات السلبية للظروف الراهنة. لافتا إلى أن الاقتصاد الأنجولي يمكن أن ينمو بشكل أقوى إذا اعتمد بدرجة أقل على القطاع النفطي. وأضاف سالم أن «أنجولا تحتاج إلى تكثيف جهود تسارع التنمية في المرحلة المقبلة، وأعتقد أن المجالات ذات الأولوية هي الزراعة والصناعة والنظام التعليمي»، مشيرا إلى احتياج البلاد إلى مزيد من الإنتاج ويجب أن تكون قادرة على المنافسة بهذا الإنتاج كما يجب إعطاء الأولوية لتطوير نظم التعليم والتدريب. وشدد المختص الأنجولي على ضرورة تحسين مؤشرات الاقتصاد في بلاده من خلال ضبط ميزان المدفوعات والسيطرة على تدفق العملات والعمل على تشجيع اجتذاب الاستثمارات الأجنبية للعمل في البلاد خاصة في قطاع النفط سواء استخراج النفط أو الخدمات المرتبطة به التي تعتمد على الموردين الأجانب.
 
وطالب سالم بفرض قيود أكبر للسيطرة على تزايد مديونية الدولة للخارج وبذل أقصى الجهد لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يدعم كل القطاعات الاقتصادية التي تحتاج إليها البلاد، ويمدها بالمعرفة والتكنولوجيا إلى جانب رؤوس الأموال.