قدم صندوق النقد الدولي لبكين ما يعتبره «وصفة» لرفع معدل النمو الاقتصادي في الصين التي تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم لتحريك النمو الذي سجل بعض مؤشرات التباطؤ في الأشهر الأخيرة من العام الجاري.
اقتراحات الصندوق للصينين التي كان أبرزها المطالبة بتحرير العملة الوطنية «اليوان» أثارت جدلا بين المختصين الاقتصاديين حول نجاعتها ومدى تأثيرها، لأنه إذا كان لهذه المقترحات ما يبررها مع تراجع معدل النمو المستهدف في الصين لهذا العام إلى 7 بالمئة فقط، فإن تأثيرها في انتقادات واشنطن للصين بشأن بنك الاستثمارات والبنية الأساسية كانت محل تحليل وتساؤل.
والمحور الرئيسي لرؤية صندوق النقد لبكين في كيفية رفع معدل النمو تمثلت في ضرورة مواصلة الصين جهودها بتبني مزيد من المرونة فيما يتعلق بتحديد قيمة عملتها المحلية اليوان، وأن تقلص الحكومة تدخلها في تحديد أسعار الصرف.
ويشكل التقييم الصيني لليوان في مواجهة العملات الدولية، الدولار واليورو والاسترليني والين، بأقل من قيمتها الحقيقية بهدف زيادة الصادرات وخفض الواردات، أحد أبرز الانتقادات التي توجه لبكين دوليا.
ووفقا للمفاهيم الكلاسيكية لعلم الاقتصاد فإن انخفاض قيمة العملة الوطنية في مواجهة العملات الأخرى سيزيد من القدرة التصديرية للدولة، ويقلص قدراتها الاستيرادية، ما يحسن وضع الميزان التجاري من جانب ويسمح بمزيد من التوازن في الميزانية العامة من جانب آخر ويساعد على رفع معدلات النمو وخفض معدلات البطالة أيضا.
التصريحات الصينية في الآونة الأخيرة كانت أقل حدة مما كانت عليه سابقا بشأن استعدادها لخفض قيمة العملة الوطنية، حيث صرح وزير المالية الصيني أكثر من مرة بأن بلاده تعمل على تكييف سعر اليوان بما يتلاءم مع العملات الدولية الأخرى.
مقترحات صندوق النقد ركزت أيضا على ضرورة أن تكون «المحفزات المالية» خط الدفاع الأول الذي تلجأ إليه الصين لرفع معدلات النمو، وأن تتفادى الحكومة التدخل في إدارة الاقتصاد عبر الإجراءات البيروقراطية كوسيلة للتحفيز الاقتصادي، وأن تعمل على دعم القطاع الخاص، وتوقع الصندوق أن يستقر الاقتصاد الصيني على معدل نمو 6 بالمئة بحلول عام 2017.
ويرجح المختصون ألا تلقى مقترحات صندوق النقد رفضا صينيا صريحا ومباشرا، إلا أنهم لا يتوقعون أن تأخذ بها بكين سريعا في الوقت الحالي أيضا.
الدكتور أليفر أور أستاذ الاقتصادات الآسيوية والمحاضر في جامعة كمبريدج، يعتقد أنه سيكون من الصعب على الصين حاليا تبني مقترحات صندوق النقد، إذ إن خفض الحكومة لتدخلها في تحديد قيمة اليوان، سيؤدي إلى ارتفاع قيمته في مواجهة الدولار تحديدا، وهو ما ينعكس سلبا على قيمة الصادرات وسيزيد من إجمالي قيمة الواردات، ولربما ينعكس هذا سلبا على النمو الاقتصادي، ليس فقط في الصين بل على منطقة آسيا والمحيط الهادئ ككل.
وأضاف أليفر أن الصين تواجه مشكلة جراء عملتها المحلية، فهي تريد الحصول على شهادة دولية من المؤسسات المالية الكبرى، بأن قيمة العملة الصينية مقيمة رسميا تقييما سليما وعادلا، وبما يتلاءم مع قوتها الاقتصادية الحقيقية، وهذه الشهادة تضمن لبكين أن يدخل اليوان ضمن سلة احتياطيات العملات الدولية، المعتمدة في المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، وإذا حدث ذلك فسيقفز الاقتصاد الصيني قفزة عملاقة للأمام. وأشار أليفر إلى أن بعض كبار المسؤولين الصينيين يعتقدون أن مقترحات صندوق النقد، تفيد واشنطن أكثر مما تفيد بكين حاليا، فارتفاع قيمة العملة الصينية سيصب في نهاية المطاف في مصلحة الدولار وسيعزز الصادرات الأمريكية. ومع هذا، فإن تقارير دولية صدرت أخيرا تشير إلى أن صندوق النقد الدولي قد يعلن خلال الفترة المقبلة أن العملة الصينية مقيمة تقييما عادلا، وفي حالة حدوث ذلك فستكون هذه هي المرة الأولى منذ قرابة العقد التي تحصل فيها الصين على تلك الشهادة الدولية، وسيكون ذلك نقطة تحول دولي في مصلحة الصين، وصفعة قوية للإدارة الأمريكية التي تواصل انتقادها الصين ليل نهار نتيجة ازدهار الصادرات الصينية على حساب نظيرتها الأمريكية.