مع بدء العد التنازلي للاجتماع الوزاري الجديد لوزراء نفط «أوبك» في 5 (يونيو) المقبل، تجددت التكهنات في الأوساط الاقتصادية عن مدى إمكانية إقبال المنظمة من جديد على اتخاذ قرار بخفض الإنتاج دعما للأسعار.
وفى هذا الإطار، أكد الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» عبدالله البدري أنه إذا كانت «أوبك» قد أقدمت على خفض الإنتاج في الاجتماع الوزاري في (نوفمبر) الماضي، فإنها كانت ستضطر إلى خفض الإنتاج مرة أخرى في عامي 2015 و2016، وكانت كل الاستفادة من خفض الإنتاج ستذهب إلى دول خارج «أوبك»؛ بسبب ارتفاع الأسعار الناتج عن تخفيض المنظمة للإنتاج.
وشدد البدري في النشرة التحليلية الدورية للمنظمة على ضرورة دعم التعاون بين «أوبك» والمنتجين الآخرين من خارج «أوبك»، مشيرا إلى أن تمسك «أوبك» بعدم خفض الإنتاج لا يستهدف أي دولة منتجة، وإنما كان القرار ناتجا عن دوافع اقتصادية بحتة.
وأوضح البدري أن صناعة النفط وجميع القائمين عليها كانوا حذرين للغاية في التعامل مع الظروف الحالية للسوق، واستوعبنا كل دروس الماضي؛ لأنها ليست المرة الأولى التي يمر بها القطاع بهذه الأزمات والتراجعات الحادة.
وقال البدرى إن «أوبك» تنظر إلى المستقبل وليس إلى مكاسب وقتية محدودة، ولذا فهي تركز على قضية الحفاظ على نمو الاستثمارات، ووصول الطاقة إلى الشعوب بأسعار عادلة ومناسبة، تكفل القضاء على ظاهرة فقر الطاقة العالمية الموجودة في عديد من دول العالم.
وأضاف البدري أننا استفدنا جيدا من التجارب السابقة والأزمات الماضية، موضحا أن تقلص الاستثمارات أمر شديد السلبية والخطورة؛ لأنه يؤثر في مستقبل المعروض العالمي، وإذا لم نحافظ على هذا المعروض ونسعى إلى تنميته، فستتجه السوق في المستقبل إلى اتجاهات سلبية تؤثر في نمو الاقتصاد الدولي.
وأكد البدرى أن التغيرات الأخيرة في سوق النفط فرضت قاعدة جديدة استوعبها الكثيرون، وهي «عندما يكون إنتاجك عالي التكلفة .. مصيرك هو الخروج من السوق»، مشيرا إلى أن هذه القاعدة الآن تغير شكل السوق من جديد بعد انسحاب المنتجين مرتفعي التكلفة بسبب صعوبة الاستمرار في ضوء الأسعار المنخفضة.
وأشار البدري إلى أهمية أن يركز المنتجون على تبني استراتيجيات جديدة، تستوعب المتغيرات في السوق، وتمنع حدوث أزمات اقتصادية، وتكفل لعجلة الإنتاج والاستثمار أن تدور بنحو جيد ومستقر.
وأوضح البدري أن السوق حاليا ما زالت متأثرة بحالة الإفراط في العرض، في مقابل نمو أضعف فيما يخص الطلب، مؤكدا أن «أوبك» لم تزد إنتاجها على مدى السنوات العشر الماضية ليبقى عند مستواه الراهن وقدره 30 مليون برميل يوميا، فيما زاد إنتاج الدول خارج المنظمة خلال الفترة نفسها بنحو 6.5 مليون برميل يوميا.
وذكر البدري أن الزيادة في الإنتاج جاءت من خارج «أوبك» من جميع المناطق ذات تكلفة الإنتاج العالية، مشددا على أن باب «أوبك» مفتوح دائما لإجراء مناقشات مع المنتجين من خارجها.
وأضاف أنه على الرغم من عدم اتفاق أي من المنتجين على خفض الإنتاج حتى الآن، إلا أننا نسير الآن على الطريق الصحيح، مشيرا إلى أن أي خطوة لخفض الإنتاج لابد أن تجيء بشكل جماعي من كل المنتجين، سواء في «أوبك» أو خارجها.
وأوضح «، رئيس مجلس الأعمال الأوروبي سباستيان جرلاخ، أن تخفيض الإنتاج من قبل دول «أوبك» بمعزل عن بقية المنتجين الكبار كان سيضر الاقتصاد الدولي وبخاصة اقتصاديات دول «أوبك»، التي ستفقد السعر والسوق في آن واحد، بينما يدفع الأمر دول خارج «أوبك» إلى زيادة إنتاجها والاستحواذ على أسواق جديدة.
وأشار جرلاخ إلى أن المرحلة الراهنة أجبرت كثيرا من المنتجين على التوقف؛ بسبب الجدوى الاقتصادية بعدما انخفضت الأسعار بما يقل عن تغطية تكاليف التشغيل، ومن هنا شهدنا تراجعا تدريجيا في المعروض العالمي بعد توالي توقف الحفارات النفطية الأمريكية بسبب الخسائر.
وذكر جرلاخ أن أسعار النفط في الأسبوع الماضي سجلت مستويات قياسية في الارتفاع منذ بدء عام 2015، والأمر مرشح للاستمرار في الأسابيع المقبلة، مدعوما باستمرار تقلص الإنتاج الأمريكي، وضعف نمو المخزونات، وتوقع تراجع الدولار الأمريكي.
من جهته، قال مدير شركة ماكسويل للخدمات النفطية أندرياس جيني، إن أسعار النفط تستعيد تدريجيا المستويات المرتفعة السابقة، مدعومة بتحسن متنامٍ للطلب العالمي سواء في أوروبا أو آسيا، مشيرا إلى أن مصادر الطاقة التقليدية وهي النفط والغاز والفحم، ستظل تمثل أكثر من 80 بالمئة من مزيج الطاقة العالمي خلال السنوات المقبلة.
وأكد جيني أن «أوبك» لم تتسبب بأي شكل من الأشكال في طفرة المعروض العالمي؛ لأن إنتاجها ثابت منذ سنوات، بينما جاءت الطفرة بسبب إنتاج النفط الصخري، وهو الذي صنع الأزمة، وهو الآن يحلها بالانسحاب التدريجي من السوق بعد تفاقم الخسائر.
وأوضح جيني أن «أوبك» في الأغلب ستحافظ على سياساتها بعد أن أثبتت تطورات السوق صدق توقعاتها، واتجهت الأسعار إلى التعافي وتعويض الخسائر السابقة، ومن المتوقع أن يكون النمو بوتيرة أكثر سرعة في الأسابيع المقبلة بشرط تراجع العوامل السلبية، ومنها مستوى المخزونات، أو أي مؤشرات سلبية عن نمو الطلب.
أما المحلل النفطي في شركة إكسبرو رالف فالتمان، فيشير إلى أن الصادرات النفطية من الشرق الأوسط تنمو بشكل جيد ومتسارع، فوجدنا الصادرات النفطية العراقية تحقق مستويات قياسية في الشهور الأخيرة، فيما تستعد إيران إلى زيادة كبيرة في صادراتها النفطية بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية، وتستبق ذلك بحملات تسويقية واسعة في آسيا.
وأشار فالتمان إلى أهمية دعم نمو المعروض النفطي؛ لأن زيادة الطلب مقبلة لا محالة، ولن يتحقق التوازن إلا بحماية الاستثمارات وتنشيطها لتستمر في دورها المهم في السوق، موضحا أن ارتفاع الأسعار يمثل دعما مهما ومطلوبا للاستثمارات التي عانت كثيرا على مدار الفترة الماضية.
وقال فالتمان إن شركات عالمية تراجعت أرباحها بشدة، وقلصت مصروفات التشغيل واضطرت إلى الاستغناء عن العمالة الماهرة، كما جمدت الكثير من خطط التوسع والاستثمار الجديدة، مشيرا إلى أن الارتفاعات المتوقعة المقبلة ستسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي لعديد من الاستثمارات النفطية المهمة.