أصدرت إدارة البحوث والدراسات الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة مؤخرا كتاب “الأنساق الثقافية في القصة القطرية” للدكتور رامي أبو شهاب أستاذ الأدب والنقد في جامعة قطر ويعد هذ الكتاب، الذي يقع في 120 صفحة من القطع المتوسط، من المشاريع الفائزة بمنحة وزارة الثقافة والرياضة لدعم الأبحاث العلمية في مجال الثقافة، ويهدف إلى الوقوف على بعض الأنساق الثقافية التي تنطوي عليها القصة القطرية، اضافة إلى البحث في مدى ارتباطها بسياق البيئة المنتجة لها، وذلك خلال القرن الحادي والعشرين لغرض توظيف المنظور الثقافي لقراءة الأدب بوصفه ممارسة، لاسيما ما يتعلق بفهم المجتمع، والتأمل في مساراته وهذا من منظور أن النقد الثقافي يتأمل الظاهرة.
ويقول الكاتب في مقدمته عن الدراسة: “إن إشكاليتها تدور حول الأنساق الثقافية التي تتصل بالمجتمع الذي يعد حاضنة ثقافية للنشاط الإنساني، ومن أبرز تلك الأنساق على سبيل المثال: الموقف المرتبك من المدنية والعولمة والموروث والآخر، وحرية المرأة،اضافة إلى نقد أنماط الهيمنة السلطوية، فضلا عن القيم التي يسعى بعض الكتاب أو المثقفين إلى استبدالها أو نقضها أو في بعض الأحيان إلى صونها لأن بعضها يحمل معاني ايجابية، غير أن البعض الآخر مازال حائرا في مواجهة هذه المتغيرات، ربما لأنها تعرضت للتشويه أو ربما لكونها لا تستجيب لمتطلبات المعاصر أو نظرا لوجود بعض المثل العليا ومنها الحرية والمثالية والعدالة والمساواة وغير ذلك من مخاضات المثقف التي يعني باختبارها والكشف عنها».
ويضيف “أن هذه التحولات تتمثل بأنساق تطفو على السطح، وفي أحيان أخرى تتخذ طابعا مبطنا أو مضمرا إذ يقع البعض منها في  اللاوعي، مما يحتاج إلى اكتناه معمق من قبل القارئ أو حتى الباحث الذي يلجأ في بعض الأحيان إلى توظيف منظورات مختلفة في دعم الدرس الثقافي، ومنها النفسي أو اللغوي أو الاجتماعي وحتى الاقتصادي، وغير ذلك من أجل سبر أغوار النصوص وما تنطوي عليه من طبقات دلالية عميقة».
وأوضح أن دولة قطر اتسمت بنوع من التجانس الثقافي بين سكانها ومع الهجرات الاقتصادية برز تعدد عرقي وثقافي في مجتمع إلى حد ما يثمن الخصوصية الثقافية، فالمخاض العابر للثقافات قد نشأ مع نهاية الثمانينيات لكنه وصل أوجه مطلع الألفية الثالثة مع تحولات البنى الخاصة بعملية التعلم والمشاريع الاقتصادية الكبرى، وتحول المجتمع إلى طور التفاعل مع المحيط الطارئ، ومن هنا تطرأ أشكال مجتمعية وثقافية تؤهلها لفعل التمثيل الخطابي، حيث نعاين في قصة بائع الجرائد لنورة سعد ملامستها لإشكالية الآخر، وتبلور نزعة لتقويض بعض الأنساق الثقافية القديمة، لاسيما فيما يتعلق بحضور المرأة وقمع حريتها، كما تتجلى في قصص هدى النعيمي وبشرى ناصر وحصة العوضي أو النكوص نتيجة عدم الفهم الثقافي للواقع نتيجة أزمة الحداثة والعولمة، اضافة إلى الموقف من الثراء المادي، وما يتبعه من تحولات قيمية ومخاطر تتهدد الموروث كما في قصص جمال فايز وأحمد عبدالملك وخليفة هزاع وسائر كتاب القصة القطرية التي تظهر من الناحية النوعية فنا قابلا أو مؤهلا للتعبير عن الأنساق نظرا لقدرة القصة على اختبار قطاع محدد ومواقف معينة لأن القصة تستجيب لهذا النسق المتسارع لكونها  تتسم بمزيتين هم الاختزال والتكثيف.
وتوصل الكاتب إلى أن القصة القطرية تمارس وعيا وقدرة على توصيف المواقف والتحولات في ضوء المتغيرات، وأسهم ذلك في بتبلور أنساق ثقافية تتسم أحيانا بالوضوح، ولكن ثمة طبقات أخرى تخضع لطمس نتيجة عوامل تتصل بالسياقات الثقافية.