في شبابه راوده حلم بامتلاك مستعمرة في إحدى دول العالم، كتلك المستعمرات الفرنسية والبريطانية والإسبانية، عرض على الأسبان شراء جذر الفيلبيين، وقوبل طلبه بالرفض، وحاول شراء أفرع من النيل أو الحصول على قطع من أرض جزيرة فيرموسا، إلا أن كل محاولاته كانت تبوء بالفشل.
كان يكره صغر حجم بلاده وكانت مقولته الشهيرة: «إنها بلد صغير بشعب قليل»، وظل يبحث عن أرض جديدة يمد إليها مملكته ونفوذه، أو ربما نفوذه هو فقط دون مملكته، نعم كان يبحث عن أرض له وحده لا لبلجيكا وشعبها، ووجدها أخيرًا في قلب قارة لا يأبى بساكنيها أحد، قارة عاثت فيها فرنسا فسادًا فما كان هو بأقل من الفرنسيين.
هو ليوبولد الثاني ثاني ملوك بلجيكا حكم بين عامي (1865 و1909)، اسمه الكامل ليوبولد لويس فيليب ماري فيكتور، ولد بتاريخ 9 أبريل 1835 في بروكس، وتوفي بتاريخ 17 ديسمبر 1909 في بلجيكا.
سطر ليوبولد الثاني اسمه بحروف من الدماء بعد ارتكابه جرائم شنيعة بحق شعب الكونغو، بعد نجاح مخططه الخبيث في امتلاك الكونغو واستعباد شعبها، وعلى الرغم من قيام ليوبولد بقتل أكثر من 10 ملايين انسان في الكونغو إلا أن التاريخ لا يذكر جرائمه كثيرا مثلما يذكر العديد من الطغاة من أمثال هتلر وموسوليني وصدام حسين.
استطاع ليوبولد خلال فترة حكمه للمملكة البلجيكية بين عامي 1885 و1909 من السيطرة على الكونغو بعد محاولات استعمارية فاشلة في أفريقيا وآسيا، وكانت مساحة الكونغو تبلغ آنذاك ضعف مساحة بلجيكا 72 مرة، ولم يكن سكان القبائل فيها يستطيعون القراءة والكتابة، خدعهم ليوبولد ليوقعوا عقودا تنازل عن اراضيهم.
وكان نص العقد الذي وقع عليه زعماء القبائل كالتالي:
“في مقابل قطعة واحدة من الملابس في الشهر، تقدم إلى كل من زعماء القبائل الموقعين أدناه، بالإضافة إلى هدية من الملابس لكلٍ منهم، يتخلى زعماء القبائل طوعًا ومن تلقاء أنفسهم، وورثتهم وخلفائهم للأبد.. عن كافة حقوقهم في جميع أراضيهم إلى «الجمعية» (بزعامة ليوبولد)… ويلتزمون بتوفير ما يُطلب منهم من عمالة، أو غير ذلك من الأعمال أو الإصلاحات أو الحملات العسكرية التي تعلنها «الجمعية» في أي وقت، وفي أي جزء من هذه الأراضي… كل الطرق والممرات المائية التي تمر في هذا البلد، والحق في تحصيل الرسوم عنها، وجميع حقوق صيد الحيوانات والأسماك، والتعدين، والغابات، تكون ملكيةً مطلقةً للجمعية».
 
 
 
ستار الأعمال الخيرية
 
تحت ستار الأعمال الخيرية ونشر الديانة المسيحية، ووقف تجارة الرقيق، استخدم ليوبولد الثاني التعذيب والقهر والقتل والاستبعاد والاغتصاب لتحقيق مآربه في السيطرة على الكونغو ومقدرات الشعب، وأسس جماعة اسمها بـ «القوة العامة» قامت بتجويع وتعذيب العمال حتى الموت في حال عدم تنفيذ الأوامر أو عدم الحصول على الإنتاج اليومي المطلوب.
وكعادة المستعمر، ظل ليوبولد يبحث عن الثراء من خلال سرقة واستبعاد شعب الكونغو، إلى أن وجد مصدرا لجمع ثروة ضخمة، عندما ازداد الطلب على المطاط بعد اختراع إطارات السيارات القابلة للنفخ، فبدأ بزراعة شجر المطاط الذي يستغرق 15 عاما على الأقل ليكون صالحا للاستخدام، وكانت أرض الكونغو خيارًا مثاليًّا، التي يوجد بها الكثير من الغابات المطيرة وأشجار المطاط واستمرت عملية النهب الممنهجة لثروة الكونغو كانت قائمة على إفراغها من العاج، حتى اكتشف جراح أيرلندي يدعى جون دنلوب اختراع بالصدفة يصنع بواسطته عجلات بواسطة المطاط، لتقوم صناعة ضخمة على هذا الاختراع ويتحول المطاط إلى «الذهب الجديد» في العالم، ومن كان ليكون أسعد بالاكتشاف من صاحبه؟ فقط ليوبولد، فغابات الكونغو كانت مليئة بالمطاط.
لم يكن استخراج المطاط، رغم ذلك، بالعمل الهين، لذا سخرت قوات ليوبولد الشعب الكونغولي بأسره لاستخراجه، وكان من يرفض من الرجال يتم اختطاف زوجته وفي بعض الأحيان قتلها، كان العمل بالسخرة وتحت تهديد السلاح، ولم يعرف أحد عنهم شيئًا، مات الملايين وبقيت ملايين آخرى تنتظر دورها، حتى انتبه أحد الكتاب العاملين بخط شحن ليفربول الذي يستخدمه ليوبولد لنقل كنوز الكونغو إلى بلاده أن السفن التي كانت تنقل المطاط والعاج من الكونغو إلى بلجيكا، كانت تحمل في طريق عودتها إلى الكونغو الجنود والأسلحة.
ولم يكن استخراج المطاط، رغم ذلك، بالعمل الهين، لذا سخرت قوات ليوبولد كل الكونغوليين لاستخراجه، وكان من يرفض من الرجال يتم اختطاف زوجته وفي بعض الأحيان قتلها، كان العمل بالسخرة وتحت تهديد السلاح، ومات الملايين من الشعب الكونغولي ولم يعرف أحد عنهم شيئًا.
 
 
 
 
  
 
 
طرق وحشية
 
واستخدم ليوبولد كافة الطرق الوحشية لكسب الثروة وحشيةً، فكان جنوده يقتحمون قرى القبائل الأفريقية في الأرض التي أسماها «دولة الكونغو الحرة»، ويأخذون النساء رهائن حتى يجبروا الرجال على الانتقال إلى الغابات ليجمعوا عُصارة المطاط، وحين يُستهلك الشجر تمامًا في مكان ما، كانوا يُجبرون على الابتعاد أكثر وسط الغابات.
استخدم ليوبولد الثاني مرتزقة أسماهم “القوة العامة” ليراقبوا “العبيد” خلال العمل، كانت عقوبة التهاون في العمل قاسية، في حالة عدم الحصول على الحصة اليومية كانوا يضربون “العبيد” بالسياط، أحيانًا حتى الموت، أو يقطعون أيديهم تمامًا، من لم يموتوا بالتعذيب ماتوا تحت وطأة إنهاك العمل لساعات طويلة، أحيانًا دون طعام أو ماء.
ولم تتوقف اساليب التعذيب عن الرجال الذين يعملون بالسخرة، بل وطالت النساء أيضا اللاتي كن يتعرضن للاغتصاب والاحتجاز كرهائن لإجبار أزواجهم على العمل وفي بعض الأحيان كانت نهايتهن الموت جراء التجويع.
وتسببت حملات ليوبولد في موت النساء والأطفال والعجائز بسبب عدم وجود طعاما كافيا، كانوا يواجهون الموت كل يوم جراء المجاعات في الكونغو، كما تفشت الأوبئة مثل (السل  والجُدري وأمراض الرئة).
وقيل أن الكاتب إدموند دين موريل والذي كان يعمل بخط شحن ليفربول الذي يستخدمه ليوبولد لنقل كنوز الكونغو إلى بلاده انتبه إلى أن السفن التي كانت تنقل المطاط والعاج من الكونغو إلى بلجيكا، كانت تحمل في طريق عودتها إلى الكونغو الجنود والأسلحة.
وأطلق الكاتب إدموند موريل حملة صحفية ضخمة في أوروبا وأمريكا لكشف المستور من جرائم للملك البلجيكي في البلد الأفريقي، حتى اضطرت بريطانيا تحت ضغط الحملة الصحفية أن تبعث لقنصلها في الكونغو، السير روجير كاسمينت، تطلب منه بدء جولة في كافة أنحاء الكونغو لاستقصاء حقيقة ما نشره موريل، وهل علم موريل الحقيقة حقًا ولم يكن الكاتب يعرف كافة تفاصيل الكارثة والجرائم التي تجرى على أرض الكونغو، تلك التي دون تفاصيلها السير البريطاني في تقرير رفعه لوزارة الخارجية، ومن هول ما كتب فيه وجدت بريطانيا أنه من المستحيل أن تنشره كما هو، فاضطرت أن تحجب منه بعض المعلومات قبل نشره، خوفا من ردود الأفعال.
كان الملك ليوبولد قد نصب نفسه مالكا لدولة الكونغو الحرة عام 1885 وقبل وفاته بعام واحد في عام 1908 قام ببيع مستعمرته هذه للدولة البلجيكية التي ظلت تحكمها بشكل لا يقل عنما كان يحدث في عهد ليوبولد حتى استقلالها عام 1960.
ويعادل الكونغو البلجيكي كما كان يعرف مساحة بلجيكا 76 مرة وفي الفترة بين عامي 1880 ـ 1920 انخفض عدد سكان الكنغو بمقدار النصف. ويعتقد ان ما لا يقل عن عشرة ملايين شخص كانوا ضحايا الجوع والقتل والعمل الاجباري منذ مطلع القرن العشرين كان العالم يتحدث عن جرائم البلجيك في الكونغو وتصور وسائل الاعلام الملك ليوبولد جالسا على كنز من الجماجم لكن احدا لم يعط الامر اعتبارا ولم يحقق في تلك الجرائم.
 
 
 
 
 
نشأة ليوبولد
 
هو الابن الأكبر للملك ليوبولد الأول أول ملوك بلجيكا ووالدته هي ثاني زوجات ليوبولد الأول ماري لويز من أورليانز. عام 1846 تقلد ليوبولد لقب دوق براباند وبدء خدمته في الجيش البلجيكي، وفي عام 1853 تزوج بماريا هينريتا ابنة الأرشيدوق النمساوي، وأصبح ملك بلجيكا بعد وفاة والده في ديسمبر 1865.
على الرغم من المشكلات الداخلية الكثيرة واحتدام الصراع في مملكته بين الليبراليين والأحزاب الكاثوليكية، لاسيما حول قضايا التصويت والتعليم، تمكن ليوبولد الثاني من التركيز على إيلاء الاهتمام اللازم لتقوية وتطوير دفاعات بلاده.
خلال الحرب الفرنسية الألمانية (1870- 1871) أدرك ليوبولد الثاني صعوبة الحفاظ على حياد بلجيكا، وذلك بسبب تنامي قوة جارتيه فرنسا وألمانيا، فضغط على البرلمان عام 1887 لتمويل عملية إغناء مدينتي لياج ونامور، وصدر قانون التجنيد الإجباري الذي نوقش لفترة طويلة قبل مدة وجيزة من موته.
انخرط ليوبولد عميقا في الكونغو، فأسس رابطة الكونغو الدولية عام 1876 لاكتشاف المنطقة، كان أبرز موظفيه فيها السير هنري مورتون ستانلي. وبين عامي 1884 و1885 أحبط محاولة إنكليزية برتغالية للسيطرة على حوض الكونغو، وفاز باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ومختلف القوى الأوربية بسيادته على دولة الكونغو الحرة، والتي بلغت مساحتها ثمانين مرة مساحة المملكة البلجيكية.