- سألت الرسول فقال عنها هل سمعتم مقالته امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذا
- وهبت حياتها للدفاع عن الإسلام ففي يوم أُحد قتل  العديد من أهلها آل السكن
- أسماء كانت تصر على صحبة النبي وتقود ناقته العصباء لتسمع وتتعلم منه

 
 
 
للحديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن علينا ان نبدأ بمقدمةعن دور النساء في الإسلام من ظهوره حيث  ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة من حيث الإنسانية والواجبات والحقوق لم يفرّق بينهما إلا بما له علاقة بالتخصص، تخصص العمل الذي أنيط بكل منهما. ومن هذا المنطلق نستخلص ان هذا لا يعني أن المرأة مرفوض منها المشاركة في المجتمع الوظيفي في حال توفرت لديها القدرة الفكرية والحسية؛ مع إلتزامها وحفاظها على دورها التقليدي من حيث الأمومة والزوجية والعاطفة وحسن التربية لأنها هي راعية أيضاً كالرجل في البيت والمجتمع .
إن المرأة منذ صدر الإسلام لم تتخلف عن العطاء والجهاد والتضحية في أي مرحلة من مراحله . لم يكن أبدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعضاء منكمشات محبوسات في بيوتهن، بل كن نموذجا متكاملا ومكتملا للدور الحقيقي الذي يجب أن تتبوأه المرأة.
نافست الرجال فسبقتهم . كان أول المؤمنين منها ، وأول الشهداء منها ، وأول من رد عمر بن الخطاب إلى الصواب منها، ولم تتخلف حتى عن الخروج لمواجهة الطغاة والمتجبرين في صدر الإسلام، من أمثال الحجاج بن يوسف الذي انهزم أمام جيش من الثوار قادته امرأة تدعى غزالة ،وفيها يقول الشاعر مستهزئا بالحجاج :
أسد علي وفي الحـروب نـعامة ربضاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الضحى بل كان قلبك في جناحي طائر
المرأة المسلمة شاركت في الجهاد ولبت النداء حيث هبت كاللبؤة تذود عن دينها ونبيها وأشبالها وعرينها.
من منكن لم تسمع عن نسيبة بنت كعب أم عمارة الأنصارية ، شاركت في غزوة أحد وخيبر والحديـبية وفتح مكة وحرب الردة في اليمامة، ويوم أحد كانت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، وترمي بالرمح حتى خلصت إليها الجراحة ورئـي في عنقها جرح له غور أجوف قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ما التفت يوم أحد يمينا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني وقتلت يومئذ فارسا من المشركين، ويوم اليمامة جرحت اثنتي عشرة جراحة، وقطعت يدها، وقتل ولدها حبيب على يد مسيلمة الكذاب. إن مشاركة المرأة في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم بالقتال والتحريض والحراسة والتمريض، بلغت من الكثرة والتعدد والتنوع ما طفحت به كتب الحديث والسيرة.
الصحابية الجليلة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجلس وسط أصحابه عندما دخلت عليه الصحابية أسماء بنت الصحابي يزيد بن السكن بن رافع الأنصاري وقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، وإني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي: إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك واتبعناك، وإنا معشر النساء مقصورات مُخدرات، قواعد البيوت، وموضع شهوات الرجال، وحاملات أولادكم، وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه، وقال لهم: “هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه”؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا: فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، فقال: “انصرفي يا أسماء، واعلمي مَنْ وراءك من النساء أن حُسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته تعدل كل ما ذكرت !” فانصرفت، وهي تهلل وتكبر استبشاراً بما قاله لها رسول الله. 
النشأة
نحن هنا أمام جماعة نسائية، وبعبارة الصحابية أسماء بنت يزيد “جماعة نساء المسلمين” قامت تسعى لإنصاف النساء، بالإسلام الذي أنصف الرجال والنساء. 
فمن هي أسماء بنت يزيد وكيف نشأت وتربت؟ 
نشأت أسماء بنت يزيد في أسرة وهبت حياتها للدفاع عن الإسلام وعن رسول الإسلام. ففي يوم أُحد حين حاول الكفار قتل النبي صلى الله عليه وسلم وقف نفر من المسلمين في وجه المشركين وفي المقدمة منهم آل السكن. يقول أنس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أُحد سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟ وتقدم الأنصار فقاتلوا حتى قتلوا.. ولم يزل الأمر كذلك حتى قتل سبعة، ومنهم زياد بن السكن عم أسماء الذي أثخنته الجراح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أدنوه مني” فوضع رأسه على قدم رسول الله فمات شهيداً وخده على قدم النبي عليه الصلاة والسلام. واستشهد في تلك المعركة أيضاً أبوها يزيد بن السكن وأخوها عامر الذي جعل جسده متراساً للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم فنال الشهادة بين يدي رسول الله. 
نشأت أسماء في أسرة مجاهدة قدمت أرواح أبنائها فداء للإسلام، وقد ربى الصحابي الشهيد يزيد بن السكن ابنته على هذا المنهج، وهو ما سيظهر في جهاد أسماء بعد ذلك في سبيل الله خصوصاً في معركة اليرموك حيث وقفت مع نساء المسلمين يقاتلن الروم. يقول ابن كثير: وقد قاتلت نساء المسلمين في هذا اليوم، وقتلن خلقاً كثيراً من الروم، وكن يضربن من انهزم من المسلمين ويقلن: أين تذهبون وتدعوننا للعلوج - أي للمقاتلين الروم - فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجع إلى القتال.
ويضيف ابن حجر في الإصابة: أسماء بنت يزيد بن السكن، شهدت اليرموك وقتلت يومئذ تسعة من الروم بعمود فسطاطها (أي خيمتها). 
ويؤكد الذهبي: وقتلت - أسماء - بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم. 
فصاحة وقوة منطق
واشتهرت أسماء بالفصاحة والبيان والبلاغة وقوة المنطق حتى لقبت ب “خطيبة النساء”، فكانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء دون تردد أو خوف. بل إن النبي صلوات الله وسلامه عليه كان يحيلها إلى عائشة - حياء - لتوضح لها الأمور الخاصة بالنساء. 
يروي البخاري أن أسماء بنت يزيد سألت رسول الله عن غُسل المحيض فقال: تأخذ إحداكن ماء وسدرتها - أي ورق شجر النبق - فتطهر بها فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليه الماء، ثم تأخذ فَرْصة - أي قطعة قطن - ممسكة - أي عليها المسك - فتطهر بها. فقالت أسماء: فكيف أتطهر بها؟ فظهر الحياء في وجه رسول الله وقال: سبحان الله تطهري بها.
عندئذ تدخلت عائشة لتوضح لأسماء الشغوفة بالعلم وبمعرفة أصول دينها وقالت: تتبعين بها آثار الدم. وقد استفادت أسماء من هذا الشغف بالعلم في تحصيل هدي النبي وسنته حتى أنها روت عن الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً وثمانين حديثاً. وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يعرف شغفها بالعلم وبتحصيل المعرفة فكان يداعبها ويجيبها عن أسئلتها.
يروي ابن عساكر أن أسماء بنت يزيد قالت: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج والنساء في جانب المسجد، وأنا فيهن، فسمع ضوضاءهن، فقال مداعباً: “يا معشر النساء، أنتن أكثر حطب جهنم”.  قالت أسماء: فناديت رسول الله، وكنت جريئة على كلامه فقلت يا رسول الله: بماذا؟ قال: “إنكن إذا أعطيتن لم تشكرن، وإذا ابتليتن لم تصبرن، وإذا أمسك عنكن شكوتن، وإياكن وكفر المنعمين”. 
فقالت يا رسول الله، وما المنعمون؟ قال: “المرأة تكون تحت الرجل قد ولدت الولدين والثلاثة فتقول: ما رأيت منك خيراً قط”. 
وكانت السيدة عائشة تنظر إلى أسماء وتقول: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين ويتفقهن فيه. 
خبيرة تجميل
ولم تنس أسماء بنت يزيد العالمة الفقيهة الخطيبة أنوثتها، فقد اشتهر عنها أنها خبيرة في تجميل النساء وتزيينهن، وهي التي جهزت وزينت السيدة عائشة أم المؤمنين ليلة زفافها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. تقول أسماء: إني قيّنت عائشة - أي زينتها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته، فجاء فجلس إلى جوارها، أتى بقدح لبن فشرب، ثم ناولها النبي فخفضت رأسها واستحيت. فنهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذت عائشة القدح فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي: أعطي تربك (أي أصحابك) فقلت يا رسول الله، بل آخذه فأشرب منه ثم ناولنيه من يده الشريفة. تضيف أسماء: فجلست ثم وضعته على ركبتي، ثم رحت أُديره وأتبعه بشفتي وأتلمس ريق النبي صلى الله عليه وسلم. 
وعاشت أسماء بنت يزيد بن السكن حتى خلافة عبد الملك بن مروان، واستقر بها المقام في الشام حين راحت تعلم الناس تعاليم الإسلام وتروي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتجاهد في سبيل الله بالسيف ومداواة الجرحى كما فعلت في اليرموك. وتوفيت رضي الله عنها عام 69 هـ ودفنت في دمشق.