- قتل أمه وزوجته ومساعديه.. وانصرف عن شؤون البلاد وانغمس في اللهو وإراقة الدماء
- حريق روما من أشهر جرائمه..  والسم كان الوسيلة التي يستخدمها في اغتيالاته
- توهم أنه الأفضل في كافة الفنون ولجان التحكيم كانت تمنحه جميع الجوائز خوفا منه

من أشهر جرائمه حرق روما وقتل أمه وزوجاته، وسلسلة إعدامات طالت الآلاف من شعبه ومساعديه ومن يجرؤ على انتقاده أو معارضته، وسطر اسمه بصفحات من الوحشية والقسوة والقتل والتعذيب، ونزعت الرحمة من قلبه وأمعن في جرائمه إلى أن واجه نهايته الحتمية.
هو نيرون خامس وآخر إمبراطور الأمبراطورية الرومانية من السلالة اليوليوكلودية والذي أصيب بجنون العظمة التي تصيب أغلب القادة الديكتاتوريين، فتحول بعد وصوله إلى السلطة إلى ديكتاتور ظالم، وبدأت معاناة الشعب ولم يقتصر هذا على الشعب فقط بل امتدت يده لتبطش بأقرب الناس إليه، وكان السم هو الوسيلة السهلة التي دائمًا ما كان يستخدمها في عمليات اغتيالاته.
 
 
 
طاردته لعنة قتل أمه طوال فترة حكمه التي شهدت كوارث لا حصر لها، وكانت نهايته لا تختلف كثيرا عن غيره ممن سبقوه في الحكم، بسبب انصرافه عن شؤون البلاد وانغماسه في اللهو والتلذذ بالقتل واراقه الدماء ونشبت الانقلابات والثوارت ضده, ففي إيطاليا قامت ثورة تتزعمها ملكة قبائل الايكينين «بوديكا», وفي أرمنيا ألغيت الامتيازات المعطاه للنفوذ الروماني في المملكة.
نهاية الطاغية نيرون كانت النهاية التي يستحقها بعد سلسلة جرائم لا مثيل لها فظل يذكرها التاريخ، حتى أصبح يضرب به المثل في الطغيان حتى أنه يتم تشبيه الديكتاتوريين المعاصرين بنيرون.
نهاية نيرون
تزايد الغضب الشعبي ضد نيرون بعد المذابح وقتل أمه وزوجاته ومساعديه وكانت أخر جرائمه حرق روما، وفي هذه الاثناء توجه نيورون إلى اليونان ليمارس هوايته في الغناء والرقص والتمثيل متوهما أنه الأفضل في كافة الفنون فكان يحصد جميع الجوائز في كل مجالات الفنون، وكانت لجان التحكيم لا تجرؤ أن ينتقدوه أو يمنحوا الجائزة الأولى لغيره في كل المسابقات الفنية التي يشارك فيها.
كان يسير وسط جيش من الفنانين والمغنيين يحملون أوسمته وجوائزه ويدخل بها إلى روما دخول الجيش المنتصر وبينما كان يصر نيرون على مواصلة التمثيل والغناء في الوقت الذي ينظر الشعب إلى الفنانين نظرة دونية باعتبارهم مهرجين يقومون بهذه الأعمال من أجل كسب المال. 
 
 
 
فكان الاحتقار هو السمه الأساسية التي يوصم بها الممثل عندما يفرغ من مسرحيته ثم يتوسل للجمهور ليصفق له، ومع اصرار «نيرون» على ممارسه التمثيل والغناء, فقد زاد ذلك من غضب الشعب عليه.
وبينما كان نيرون يواصل هواياته، اندلعت ثورة في بلاد الغال على يد فيندكس أحد أهم نبلاء فرنسا ومع تصاعد غضب الثوار وانحسار وهزيمة «نيرون» وفشله في إدارة ومواجهة الغضب الشعبي العارم، انصرف عنه المقربين له وأصدقاؤه وحاشيته ولم يجد بدا من أن يهرب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد خدامه الذين بقوا معه. 
وفي هذا الكوخ تذكر نيرون حياة القصور وظل يبكي ويصرخ كلما على ما وصل إليه وكلما تذكر أمه كان يقول انها هي من جلبت عليه اللعنه. 
وظل مختبئا حتى شعر بأصوات سنابك الجنود تحوم حول المكان فما كان منه إلا أنه قرر أن يقتل نفسه, وبعد محاولات كثيره فشلت بسبب خوفه من الموت, قتل نفسه وانتهت حياة الطاغية الذي ارهق روما بمجونه وجنونه وقتل الآلاف من شعبه بدون رحمة وحرق روما.
حكم نيرون
بسبب صغر سنه في بداية فترة حكمه كان نيرون امبراطورا بالاسم فقط, إلا أن أمه «أغربينيا» ظلت تسيطر على مقاليد الحكم بسبب نفوذها الواسع الذي تشكل خلال فترة حكم «كلوديوس»، بعد أن نجحت في اقناعه بالتخلص من زوجته.
وأكلمت «أغربينيا» خطتها بتربية «نيرون» وتدريبه على ممارسة شؤون الحكم وكلفت شخصيتين من أكثر المخلصين لها, بمساعدة نيرون على إدارة شؤون روما.
كان الفيلسوف المفوه سينيك من أهم الشخصيات الموثوق بها لدى أم نيرون وجاءت به من المنفى وأعادته إلى روما ووعدته بتولي منصب وزير الدولة، وتم استغلاله في القاء الخطب الحماسية، أما بوروس فقد حصلت أغربينيا من خلال على تأييد الجيش وضمان ولائهم إلى نيرون مع تنصيبه. 
وعلى الرغم من نجاح مخطط أغربينيا في وصول نيرون إلى الحكم و تنصيه امبراطورا أصبح عمره 16 سنة، وتناسى الجميع «بريتانيكوس» الوريث الشرعي للحكم، إلا أن الصدام بين نيرون وأمه ظهر للعلن سريعا.
ومع فشل سينيك وبوروس في السيطرة على نيرون وإرشاده في إدارة شؤون البلاد بصورة صحيحة، ترضى عنها أمه أغربينيا صاحبة النفوذ الواسع، بدأ الصدام بين نيرون المتعطش إلى ممارسة الحكم بغرور المستبد، وأمه التي أصيبت بالاحباط منه.
وظهر طيش نيرون، واصبحت تعارضه امه في كافة أمور الحكم، ومع ابتعاد نيرون عن زوجته أوكتافيا ابنه “كلوديوس” التي يراها نيرون انها ليست بزوجة حقيقية لأنه يعلم أنها كانت فقط كانت خطة للوصول إلى الحكم.
قتل أمه
قررت أغربينيا مواجهة ابنها نيرون بعدما رأت في تصرفاته خطورة ستهدد العرش، ووبخته، إلا أن الصدام الحقيقي بلغ ذروته عندما هددته أمه بأنها ستعيد الحكم إلى الوريث الشرعي لحكم بريتانيكوس إن لم يعود إلى رشده وتنفيذ أوامرها.
وهنا تنبه نيرون إلى وجود وريث شرعي للحكم مازال على قيد الحياة واحتمال تنفيذ أمه أغربينيا لتهديدها قد يحدث, وسواء أكانت أغربينيا جادة في تهديدها أم لا؟ فقد قرر نيرون على قتل بريتانيكوس بالسم, وبالفعل تخلص منه نيرون.
بعد ذلك بدأ “نيرون” في تحجيم دور أمه في الحياة السياسية فأغدق العطايا والأموال على الأمراء ورجال الدولة البارزين الذين تناسوا تحت وطأة العطايا والترهيب السبب الحقيقي لمقتل “بريتانيكوس” واكتفوا بتصديق رواية “نيرون” على أنه مات بشكل طبيعي. 
ومع الوقت استسلمت “أغربينيا” لرغبة ابنها وتم اقصائها خارج القصر الامبراطوري وخصص لها “نيرون” قصر في المدينة كان مخصصا لعدد من أفراد الأسرة الحاكمة وكان “نيرون” يزورها من وقت لآخر ويحرص في زيارته أنه يكون في كامل رونقه ومظهره حتى يظهر الفرق في السلطة بينه وبينها.
بعدها انصرف “نيرون” إلى السكر والعربدة والعهر وطاف يشبع رغباته المكبوته ليتحول حكمه مع الوقت إلى وبال على الشعب، وسيطر عليه وهم أنه بارع كمغنى ولاعب للقيثارة وسائق عربة حربية، والمؤرخ المتتبع لكيفية وصول الأباطرة إلى عرش روما يكتشف بسهولة أنه كان غالبا عن طريق الاغتيالات السياسية التي أصبحت السمة الأساسية للحكم في روما، ويحكى في بذخه وحبه للعطور انه في عهده كان سقف الدعوات يُمطر رذاذاً من العطور والزهور.
 
 
 
حريق روما
في سنة 64 م، فكر نيرون في إعادة بناء روما، فأمر مساعديه بحرق روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، وألتهمت النيران عشرة الأحياء، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
وخلف هذا الحريق آلالاف من سكان روما وأتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسييّن تشير إليه إلى أنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه.
وأصبح نيرون يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب وكان أمامه اختيار إما اليهود أو المسيحية الحديثة في روما، ولكن كان اليهود تحت حماية بوبياسبينا إحدى زوجات نيرون، فألصق التهمة بالمسيحيين.
وبدأ يلهى الشعب في القبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفى جميع أنحاء الإمبراطورية حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين، وسيق أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء، وعاش المسيحيين في سراديب تحت الأرض وفى الكهوف وما زالت كنائسهم وأمواتهم إلى الآن يزورها السياح.
واستمر الاضطهاد الدموى أربع سنوات ذاق فيه المسيحيون كل مايتبادر إلى الذهن من أصناف التعذيب الوحشى، وكان من ضحاياه بولس وبطرس اللذان قتلا عام 68م.