قال بنك الكويت الوطني في تقرير الصادر أمس انه بدأ أثر التراجع في أسعار النفط بالظهور في الاقتصاد السعودي. فقد تراجع الاقتصاد غير النفطي بصورة ملحوظة خلال العام 2015 كما سجل الحساب المالي الحكومي عجزاً وتأثرت بذلك سلباً ثقة المستهلك. واعتدلت وتيرة تدفق الودائع إلى البنوك ووتيرة الائتمان ما أدى إلى ضيق السيولة.  مع قرب انتهاء الربع الاول من العام 2016، لا تزال الثقة في الأسواق في تراجع، فقد تراجع أداء الأسهم وارتفعت كل من مبادلات مخاطر عدم السداد وأسعار الإنتربنك إضافة إلى استمرار الضغوطات على أسعار العملات في الأسواق الآجلة. وقد خفضت وكالة «ستاندرد ان بورز» تصنيف السعودية الائتماني بواقع درجتين إلى A- خلال شهر يناير.
 كما جاء ايضا في التقرير ما يلي : قد كشفت الحكومة عن بدئها بتطبيق سياسة التقشف لأول مرة في ميزانيتها نظراً لما تواجهه من عجز مالي ضخم وضغوطات على احتياطاتها الأجنبية. وقد تضمنت تلك السياسة تأكيد الحكومة دعمها للنشاط الاقتصادي غير النفطي مع حرصها على ترشيد الإنفاق لا سيما فيما يخص مشاريع البنية التحتية غير الضرورية والإلغاء التدريجي لتكلفة دعوم الطاقة والخدمات. كما تتضمن تلك السياسة تطبيق كل من آليات مدرة للأرباح والإيرادات كخصخصة المشاريع وفرض الضريبة القيمة المضافة. وبالرغم من التحديات التي يواجهها اقتصاد المملكة في هذه المرحلة، إلا أنها ملتزمة بجدية في خطة الإصلاح المالي. ومع امتلاكها احتياطات مالية ضخمة فإنها تعتبر في موضع آمن نسبياً يمكّنها من مواجهة تلك التحديات.
 نمو النفط الحقيقي يتباطأ في العام 2016 وانتاج النفط يحافظ على مستويات العام 2015 وتوقعات بانتعاش النمو الحقيقي للنفط بدعم من توسع انتاج الغاز الطبيعي
ارتفع انتاج النفط الحقيقي بواقع 3.1% في العام 2015 بعد ان انتعش الانتاج ليبلغ مستوى تاريخي عند 10.2 مليون برميل يومياً في المتوسط. وجاء هذا الارتفاع في الانتاج متأثراً بشكل مباشر برغبة السعودية في الحفاظ على حصتها السوقية ورفع مستوى قيمة المنتجات النفطية من خلال زيادة المنتجات المكررة. فقد ساهم إطلاق مصفاتي «ساتورب» و«ياسرف» خلال 2014-2015 في إضافة 0.8 ملايين برميل يومياً من السعة الانتاجية للمنتجات المكررة. لذا ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي النفطي الحقيقي بواقع 0.9% و1.1% في العامين 2016 و2017 على التوالي.   
يعتبر الإنفاق الحكومي هو المحرك الأول للاقتصاد السعودي غير النفطي. فقد اعتدل نمو الاقتصاد غير النفطي العام الماضي في ظل خفض الإنفاق الاستثماري والجاري ليصل إلى 3.6% من 4.8% في العام 2014. وقد تراجعت العديد من مؤشرات نشاط المستهلك على أساس سنوي كصفقات أجهزة نقاط البيع وأجهزة السحب النقدي الآلي بالإضافة إلى نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص ومؤشر مديري المشتريات. وهنالك أيضاً بعض المؤشرات الأخرى التي تنذر بتباطؤ النمو. إذ بلغ مؤشر مديري المشتريات خلال شهر يناير 53.9 والذي يعد المستوى الأقل منذ ست سنوات. وتباطأ كل من الانتاج والطلبات الجديدة والصادرات مقارنة بالعام 2014.
وبالرغم من ذلك التباطؤ  فان الاقتصاد غير النفطي لا يزال في طريقه للتوسع وتحقيق العديد من الفرص الوظيفية. ومع احتمال خفض الإنفاق الحكومي بشكل أكبر هذا العام قمنا بخفض توقعاتنا بشأن نمو الاقتصاد غير النفطي للعام 2016 إلى 2.1%.

معدل التضخم
تسارع معدل التضخم بصورة ملحوظة خلال شهر يناير بعد أن رفعت الحكومة أسعار الوقود والخدمات. فقد ارتفعت أسعار المستهلك حسب مؤشر المملكة لغلاء المعيشة بواقع 4.3% على أساس سنوي في يناير من 2.3% على أساس سنوي في ديسمبر. وقد سجل مكون النقل والمواصلات الذي يشكل 10% من إجمالي المؤشر أعلى معدل ارتفاع له منذ واحد وعشرين عاماً ليصل إلى 12.6% على أساس سنوي في يناير من 1.3% على أساس سنوي في ديسمبر وذلك بعد أن قامت الحكومة برفع أسعار البنزين بنسبة 67% في محاولة منها للتخفيض من تكلفة الدعوم المرتفعة. كما ارتفع أيضاً مكون الإسكان والخدمات الذي يشغل الوزن الأكبر من المؤشر بواقع 8.3% على أساس سنوي في يناير من 4% على أساس سنوي في الشهر السابق بعد أن رفعت الحكومة سقف أسعار الماء والكهرباء. لذا فقد رفعنا توقعاتنا بشأن معدل التضخم للعام 2016 من 2.6% إلى 3.5%، وللعام 2017 من2.9% إلى 3.9%.    

عجز مالي
سجلت السعودية عجزاً مالياً كبيراً خلال العام 2015 ليصل إلى -15.9% من الناتج المحلي الإجمالي من -3.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014. وجاء هذا العجز نتيجة العديد من الزيادات في المصروفات والتي من ضمنها منحة الملك سلمان فور تسلمه مقاليد الحكم بقيمة 23.4 مليار دولار، إضافة إلى تراجع الإيرادات النفطية بواقع 51% في العام 2015 إثر تراجع أسعار النفط خلال العام.
ففي هذه الميزانية التي تعدّ الأكثر تقشّفاً حتى الآن، قامت وزارة المالية بترشيد الإنفاق بواقع -2.3% مقارنة بالميزانية السابقة وبواقع -12.6% للإنفاق الحقيقي للعام 2015. ومن المتوقع أن تتراجع الإيرادات أكثر بواقع -28% مقارنة بالميزانية السابقة وبواقع -15% مقارنة بالإيرادات الحقيقية للعام 2015. وسيؤدي ذلك إلى تسجيل السعودية العجز الثاني لها في الموازنة على التوالي في العام 2016 بواقع 87 مليار دولار. وأعلنت السلطات أنها ستستمر بتمويل العجز من خلال كل من إصدار أدوات الدين واللجوء للاحتياطات مع تأكيد تركيزها على الخيار الأول.  
وبجانب تأكيدها على الالتزام بترشيد الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي من خلال وقف بعض مشاريع البنية التحتية غير الضرورية، فقد كشفت الحكومة أيضاً عن حزمة من الإصلاحات المهمة. وتتضمن تلك الإصلاحات خفض الدعوم المكلفة على الطاقة والخدمات الذي بدأت تطبيقه في مطلع العام بالإضافة إلى خصخصة بعض قطاعات الاقتصاد من ضمنها أصول شركة «أرامكو» ورفع الإيرادات غير النفطية من خلال رفع رسوم الخدمات العامة وفرض ضرائب جديدة على الإنفاق الاستهلاكي (ضرائب على القيمة المضافة) والأراضي غير المستخدمة. إذ من المحتمل أن تلجأ دول مجلس التعاون الخليجي جميعها لتطبيق ضريبة القيمة المضافة في العام 2018 وبنسبة 5%. وتقدر الزيادة التي ستسجلها السعودية من هذه الضرائب عند 9.6 مليار دولار أو 22% من الإيرادات غير النفطية والذي قد يشكل ما يقارب 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.        ومن المتوقع أن تفصح السلطات عن المزيد من هذه الإجرءات الإصلاحية الاجتماعية والاقتصادية فور إطلاقها برنامج التحول الوطني قبل منتصف العام 2016.
ومع تركيز السلطات على تطبيق سياسات التقشف المالي وباحتساب أيضاً توقعاتنا ببلوغ متوسط أسعار النفط 45 دولاراً للبرميل هذا العام وارتفاعه بواقع 33% إلى 60 دولاراً للبرميل فإننا نتوقع أن يتراجع العجز المالي إلى -14.2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وإلى -7.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2017.  

سندات سيادية
تشير بيانات شهر يناير إلى بلوغ الاحتياطات الأجنبية 602 مليار دولار (92% من الناتج المحلي الإجمالي) مسجلة تراجعاً بواقع 132 مليار دولار أو 18% مقارنة بعام مضى. وبينما لا تزال الاحتياطات قوية تصل إلى ما يساوي 30 شهراً من قيمة الواردات، إلا أن تسارع وتيرة تراجع تلك الاحتياطات قد دفعت بالسلطات إلى البدء بإصدار أول سندات سيادية لها منذ العام 2007. فقد تم بيع سندات حكومية لمؤسسات مالية محلية في العام 2015 بقيمة 98 مليار ريال سعودي تقريباً على ثلاث فترات استحقاق: فترة خمس سنوات سبع سنوات وعشر سنوات لتغطي ما يقارب ربع العجز المالي. ونتوقع أن تتسارع وتيرة إصدار أدوات الدين في العامين 2016 و2017 لرغبة السلطات بتمويل ما يصل إلى 60% من عجز السعودية المتوقع في الموازنة. ومع استمرار المملكة على هذه الوتيرة للإصدارات لتفادي المزيد من التداعيات إثر تراجع أسعار النفط، فمن المتوقع أن تحقق الاحتياطات الأجنبية زيادة بواقع 500 مليار دولار (70% من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول نهاية العام 2017. إلا أنه من المحتمل أن يرتفع الدين الحكومي خلال هذه الفترة من أقل مستوى له عند 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014 إلى ما يقارب 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام 2017. وتعد هذه المستويات منخفضة جداً وفق المعايير العالمية.   

البنوك السعودية
ترك تراجع أسعار النفط أثراً واضحاً على البنوك السعودية نتيجة تأثر الودائع المحلية والائتمان بالمتغيرات التي ظهرت في أسعار النفط والانفاق الحكومي بصورة متتالية. فبعد أن بلغ متوسط نمو الائتمان المصرفي 11.2% على أساس سنوي خلال الفترة 2010-2014، اعتدل في يناير من العام 2016 إلى 8.2% على أساس سنوي تماشياً مع تقليص حجم الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية الذي قلّص بدوره من فرص الاقتراض. كما ساهمت القيود التي فرضتها السلطات في العام 2014 بشأن رفع قيمة الدفعة الاولى عند التقدم لطلب القروض الإسكانية في تعزيز هذا الأثر أيضاً.
وفيما يخص الائتمان الممنوح لمختلف القطاعات، فقد سجل الائتمان الممنوح لمؤسسات القطاع الحكومي أكبر تباطؤ متراجعاً من متوسط 10.6% على أساس سنوي خلال 2010-2014 ليصل إلى -13% على أساس سنوي بحلول شهر يناير 2016. بينما صمد الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بشكل أفضل نتيجة قوة الزيادات في الائتمان الممنوح للبناء والتشييد ولقطاعي الخدمات والتجارة. ولكنه تباطأ ايضا من متوسطه للخمس سنوات البالغ 12.2% على أساس سنوي إلى9.9% على أساس سنوي في يناير من العام 2016.
وتباطأ نمو ودائع البنوك تباطؤاً ملحوظاً في يناير من العام 2016 إلى 3.4% على أساس سنوي من 14.5% على أساس سنوي في منتصف العام 2014. وقد كان التباطؤ الذي يعكس أكبر تراجع للإيرادات الحكومية على الإطلاق، هو تراجع الودائع التابعة لمؤسسات القطاع الحكومي بواقع -1.5% على أساس سنوي في 2015. وبينما أشارت بيانات يناير لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى استعادة الودائع الحكومية قوتها بنحو7.8% على أساس سنوي، فقد ارتفعت ودائع القطاع الخاص بنحو 1.7% على أساس سنوي فقط. ويعتبر هذا المعدل الأبطأ منذ العام 1998.  

تباطؤ نمو الودائع
وبينما ترك  التباطؤ في نمو الودائع أثراً سلبياً على نمو الائتمان، فقد ارتفعت نسبة القروض إلى الودائع في البنوك إلى 85% بحلول نهاية العام 2015 ما أدى إلى زيادة المخاوف بشأن ضيق السيولة لاحقاً خلال العام. فقد سجل سعر الفائدة بين البنوك السعودية (الإنتربنك-SAIBOR) ارتفاعاً حادّاً في النصف الثاني من العام 2015 كما ارتفعت أسعار الفائدة اعتباراً من الثامن عشر من مارس 2016 بنحو 101 نقطة أساس لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ  سبع سنوات عند 1.78%.