تشهد المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري والمعارضة على حد سواء وقفاً لإطلاق النار ما زال صامداً بعد دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي أبرم برعاية روسية - أمريكية، حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة السبت بالتوقيت المحلي.

وأعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا في مؤتمر صحافي في جنيف أن اجتماعاً جديداً لفريق العمل الخاص بوقف اطلاق النار في سوريا سيجتمع بعد ظهر السبت لتقييم مدى احترام الاتفاق. وفي حال صمد وقف اطلاق النار سيدعو دي ميستورا إلى جولة مفاوضات سلام جديدة في السابع من مارس (آذار).

ومنتصف ليل الجمعة السبت بالتوقيت المحلي (22,00 ت غ) توقف القتال في ريف دمشق وفي مدينة حلب (شمال) وضاحيتها الغربية التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة.

وأفاد مراسل فرانس برس في مدينة حلب أن "هدوءاً كاملاً يسود المدينة". وقال محمد نهاد، أحد سكان حي الكلاسة في الشطر الشرقي الواقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في حلب، والمتزوج حديثاً "أشعر ببعض الأمان والهدوء الآن، بعد نصف الساعة الأولى من الهدنة وربما سأتأخر بالسهر اليوم واتمنى ألا استيقظ على صوت إحدى الطائرات الحربية".

وبالقرب من حي جوبر في دمشق الذي تتواجد فيه فصائل مقاتلة، قال الجندي عبد الرحمن عيسى (24 سنة) "لا أخفي أنني سعيد بتوقف الحرب ولو لدقائق، وإذا استمرّ الهدوء فبكل تأكيد سنعود إلى منازلنا".

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن إنه عند منتصف الليل تحديداً، "عمّ الهدوء غالبية الأراضي السورية" التي تنتشر فيها قوات النظام والفصائل المقاتلة ولم تسجل أي طلعة للطيران الروسي في شمال اللاذقية. وأضاف أن الهدوء يعم أيضاً محافظتي حمص وحماة وسط سوريا.

أول هدنة 
وهذه أول هدنة واسعة مدعومة بقرار لمجلس الأمن الدولي منذ بدء النزاع الذي أسفر عن سقوط 270 ألف قتيل منذ 2011 وأدى إلى نزوح أكثر من نصف السكان.

وخلال الأيام الثلاثة الماضية، أعلنت دمشق ونحو مئة فصيل مقاتل فضلاً عن وحدات حماية الشعب الكردية أنها ستلتزم الاتفاق.

لكن وقف اطلاق النار لا يشمل تنظيم داعش وجبهة النصرة المتحالفة مع عدة فصائل مقاتلة. ويمكن بذلك للنظام السوري وحليفته روسيا والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مواصلة ضرب التنظيمين في الأيام المقبلة.

ودعا زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني الجمعة الفصائل المقاتلة إلى رفض الهدنة التي وصفها بأنها "مذلة".

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو أن روسيا ستواصل بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ ضرب تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من "المنظمات الإرهابية" في سوريا "بلا هوادة".

جولة مفاوضات جديدة
من جهته أعلن موفد الأمم المتحدة لسوريا ليل الجمعة السبت أنه يعتزم الدعوة إلى جولة مفاوضات سلام جديدة حول النزاع. لكنه اشترط لذلك أن يصمد وقف الأعمال العدائية وأن يتواصل إيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين المحاصرين جراء النزاع.

ومباشرة بعد عرض دي ميستورا، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً يصادق على الاتفاق الأمريكي الروسي في شأن وقف الأعمال العدائية في سوريا ويطالب جميع الأطراف المعنيين بتنفيذه.

وقال إنه أبلغ بعيد بدء سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية بـ"حادث"، مؤكداً أن الأمر موضع استقصاء. وأضاف بالتأكيد ستحصل "حوادث" لكن المهم هو "احتواؤها".

وأعلن دي ميستورا أن اجتماعاً جديداً لفريق العمل الخاص بوقف اطلاق النار في سوريا سيعقد بعد ظهر السبت لتقييم مدى احترام اتفاق وقف الأعمال العدائية في الساعات الأولى من دخوله حيز التنفيذ.

وعقد أول اجتماع لفرق العمل حول وقف الأعمال العدائية في سوريا الجمعة بجنيف قبل ساعات من سريان الاتفاق.

وبعد أن أكد أن وقف الأعمال العدائية موضع متابعة من مراكز مراقبة في الولايات المتحدة وروسيا وجنيف، قال دي ميستورا أن "السبت سيكون يوماً مفصلياً"، مشيراً إلى أنه "ستجري بالتأكيد الكثير من المحاولات التي تسعى إلى الحاق الضرر بهذه العملية".

وأضاف أن مراكز مراقبة مكلفة "جمع المعلومات عن مخالفات محتملة" أقيمت خصوصاً في واشنطن وموسكو.

استثناءات الهدنة
ويطرح استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة تساؤلات جمة حول سبل وضع اتفاق وقف الأعمال العدائية موضع التنفيذ. فتنظيم داعش يسيطر على مناطق واسعة في سوريا أهمها في شمال وشمال شرق البلاد.

أما جبهة النصرة فتتواجد في محافظات عدة، غالباً في تحالفات مع فصائل مقاتلة معظمها إسلامي. ويسيطر الفصيلان على أكثر من نصف البلاد.

وبين المناطق التي لا يشملها الاتفاق محافظتا دير الزور (شرق) والرقة (شمال) الواقعتان بشكل شبه كامل تحت سيطرة داعش، ومحافظة إدلب (شمال غرب) التي يسيطر عليها باستثناء بلدتين، "جيش الفتح" وهو تحالف فصائل إسلامية أهمها جبهة النصرة.

وتعد داريا في الغوطة الغربية لدمشق والتي تشكل معقلاً للفصائل الاسلامية والمقاتلة مثالاً على صعوبة تطبيق الاتفاق، إذ أكد مصدر عسكري سوري أنها غير مشمولة بالاتفاق "لأن جبهة النصرة هي أحد الفصائل المقاتلة"، الامر الذي نفته المعارضة.

حوادث قبل الهدنة
وقبل دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ، استهدفت الطائرات الحربية السورية والروسية بأكثر من 180 غارة مواقع الفصائل الإسلامية والمقاتلة في مناطق عدة، منها ريف دمشق وريف حلب الغربي. واستهدفت الغارات الروسية أيضاً مواقع لتنظيم داعش.