يعتقد الكثيرون أن انخفاض أسعار النفط يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي، ولكن في الحقيقة أن هبوط النفط دون حاجز 30 دولارا سيكون له تداعيات اقتصادية عديدة.
 التكاليف
- معظم الدول لا يمكنها تحمل تكاليف استخراج النفط من باطن الأرض عند سعر 30 دولارا للبرميل، ودول قليلة فقط هي القادرة على ذلك وفي مقدمتها السعودية وإيران والعراق، وبالطبع لا يمكن أن توفر هذه الدول وحدها كافة احتياجات العالم النفطية، ويبين الشكل التالي تكاليف استخراج النفط لأكبر المنتجين في أكتوبر2014
- كبار المصدرين لن يتوقفوا عن حفر آبار جديدة لحاجة حكوماتهم الماسة للعائدات الضريبية النفطية لتمويل برامجها، وهم يتمتعون بميزة انخفاض تكاليف الإنتاج، لذلك توفر لهم زيادة الإنتاج عائدات جيدة رغم انخفاض أسعار الخام.
 - في معظم الأحيان تشتري شركات النفط «عقود المشتقات» (أدوات مالية تتعلق بأصول أخرى كالنفط، وتعطي الحق لأطرافها في هذه الأصول في تاريخ معين وتعتمد على السعر المتعاقد عليه عند نشأة العقد)، وهي بذلك تحمي ذاتها ضد انخفاض الأسعار، ولا تشعر الشركة بالقلق طوال فترة سريان العقد.
- يعتبر الموظفون أهم الأصول لدى أي شركة، وإذا فقدتهم فلن يكون من السهل استبدالهم، لذلك تجاهد شركات النفط للاحتفاظ بموظفيها قدر الإمكان، وهي تحتاج لعائدات لتمويل الرواتب.
- معظم مصدري النفط لديهم صناديق ثروة سيادية يمكنهم اللجوء إليها للإنفاق على الخدمات الحكومية لعدة أعوام دون إشعار المواطن بمشكلة حتى في ظل التراجع الحاد في أسعار الخام.
 فقاعة الديون
 - هناك قلق متزايد من عجز شركات النفط عن تسديد ديونها مما يخلق فقاعة ديون خطيرة، فخلال مرحلة الركود الكبير في الولايات المتحدة سمح المشرعون بمد أجل الديون العقارية التجارية على الرغم من الانخفاض الحاد في قيمة العقارات، وهذا ساعد فقط على إخفاء المشكلة لفترة من الزمن حتى تفاقمت ولم يعد بالإمكان إخفاؤها، ويميل المشرعون حاليا لانتهاج نفس السياسة مع شركات النفط.
 فائدة مؤقتة
- تراجع النفط له آثار إيجابية على المدى القصير، فهو يشجع على زيادة النشاط الصناعي وما ينطوي عليه من خلق فرص عمل جديدة، لكن امتداد الانخفاض لفترات طويلة يهدد بضعف الإنتاج على المدى البعيد، فيجب أن ترتفع الأسعار بصورة تعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج.
- المواد الخام ومن بينها النفط تتسم بدرجة تذبذبها العالية نتيجة كثافة استخدامها ومخزوناتها غير المتجددة، لذلك يجب أن تحرص الأطراف المعنية على الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب باستمرار، وهو التوازن المفقود حاليا بسبب تخمة المعروض.
 - سجلت أسعار النفط تراجعا كبيرا في عام 2008 إلا أنها عاودت ارتفاعها مدعومة ببعض الإجراءات التحفيزية مثل انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وزيادة القروض بصورة هائلة في الصين، والتي شجعت على زيادة الإقبال على المنازل والسيارات وبدء مشروعات جديدة وهو ما انعكس إيجابيا على أسعار الخامات.
- توقف برنامج التيسير الكمي بالولايات المتحدة وزيادة القيود على القروض بالصين أسهما في تراجع النفط، لكن من الصعب تطبيق إجراءات مشابهة في الأزمة الحالية، فمعدلات الفائدة الأمريكية ما زالت منخفضة للغاية، كما أن الحكومات مثقلة بالفعل بكميات ضخمة من الديون التي شارفت على الخروج من الحدود الآمنة.
 مخاطر التراجع
 - طول فترة انكماش الأسعار يهدد بنقص المعروض النفطي وعدم تلبية احتياجات الطاقة العالمية، فسيكون هناك عزوف من البنوك عن إقراض شركات النفط في معظم الدول، ما سيؤدي لإفلاس بعض الشركات وتوقفها عن الإنتاج، حتى الشركات غير المتعثرة ستعاني هذا الوضع لاضطراب مصادر التمويل اللازمة لتغطية بنود رئيسية الأجور وتكاليف الشحن الدولي.
- وهذه المشكلة لا تقتصر على النفط، فأسعار الفحم والغاز الطبيعي تعاني الانخفاض مما يهدد بتراجع انتاجهما أيضا، ونقص امدادات الوقود الأحفوري يهدد بعواقب اقتصادية وخيمة.
 - لا صحة للدعاية الإعلامية الرائجة هذه الأيام من أن الاقتصادات تستطيع التقدم دون الحاجة لمصادر الطاقة التقليدية، والتي تعطي انطباعا بأن المصادر المتجددة أصبحت جاهزة ومتوفرة لسد الاحتياجات العالمية، ففي هذه المرحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عن الوقود الأحفوري، ويوضح الشكل الحالي حصة مصادر الطاقة المختلفة من الاستهلاك العالمي.
 النفط ما زال يعتبر أكبر وأهم مصدر للطاقة للاقتصاد العالمي، وهناك تناسب طردي بين معدلات استهلاك الطاقة وحجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ القرن الـ 19 وحتى الآن، ويبين الشكل التالي العلاقة بين نمو الناتج الإجمالي العالمي من جهة ونمو الطاقة والتكنولوجيا من جهة أخرى منذ عام 1820 وحتى 2015.
المعادلة الصعبة
- يمكن تحفيز الطلب على الخامات من خلال عديد من الإجراءات منها زيادة أجور العمال البسطاء وإشراك أكبر عدد من الأشخاص في سوق العمل وزيادة الإقراض، لكن أيا منها لا يسير بالوتيرة المطلوبة، هذا بالإضافة إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وعودة الإنتاج الإيراني الذي يعقد الموقف