أشار التحليل الأسبوعي للأسواق الناشئة الصادر عن شركة آسيا كابيتال الاستثمارية إلى أنّ الرئيس الصيني شي جين بينغ قد زار مؤخرا الشرق الأوسط في وقت تمر به المنطقة بمرحلة حساسة. إذ أدى تصاعد التوتر بين السعودية و إيران في يناير إلى جمود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تلاها بعد بضعة أيام رفع العقوبات عن إيران. وقد زار الرئيس الصيني ضمن جولته في الشرق الأوسط كلا من مصر و السعودية و إيران، حيثُ تَركَّز الهدف الأساسي من زيارنه على دعم برنامج « حزام واحد – طريق واحد»، وهو عبارة عن مبادرة لتعزيز التعاون والترابط بين آسيا و أوروبا و أفريقيا و الشرق الأوسط من خلال بناء بنية تحتية متينة، وتجارة حرة، وتبادل ثقافي. وأوضح التحليل أن كلا من مصر والسعودية وإيران قد وافقت على التعاون في ظل المبادرة الصينية، كما وقّعت الدول الثلاث صيغا مختلفة من الاتفاقيات، وأعلنت عن مجموعة من الاستثمارات الصينية. وعلى الرغم من أن تفاصيل هذه الاتفاقيات غير معروفة، يبدو أن إجمالي قيمة المشاريع في مصر قد زادت عن 15 مليار دولار، تتركز غالبيتها في قطاع الإنشاء لتطوير العاصمة الإدارية الجديدة ورفع الإنتاجية الصناعية للبلد العربي في قطاعي النقل و توليد الطاقة. هذا وسيكون مصدر أغلب التسهيلات المالية من شركات مملوكة من الدولة. على سبيل المثال سيقوم بنك التنمية الصيني بإقراض البنك الأهلي المصري ما مقداره 700 مليون دولار لتمويل مشروعات في قطاع البنية التحتية. كما سيحصل البنك المركزي المصري على مليار دولار لتعزيز احتياطيات مصر الدولية. وأضاف التحليل أن الصين قد رفعت العلاقات مع السعودية و إيران إلى مستوى «شراكة استراتيجية شاملة» وهو لقب يمنح من قبل الدبلوماسية الصينية للتركيز على العلاقات الاقتصادية و الدبلوماسية. بحسب تصريحات السفارة الصينية في الرياض فإن الرئيس الصيني قام بتوقيع 14 اتفاقية مع الملك سلمان في قطاعات الطاقة والاتصالات والبيئة والثقافة والفضاء والعلوم والتكنولوجيا. وكانت الصفقة الأساسية بمقدار 2.43 مليار دولار على شكل استثمار في بناء مفاعل طاقة نووية من المزمع انتهاؤه في عام 2022 ، بالإضافة إلى 15 مفاعلا آخرين يفترض استكمالها في غضون عام 2032. كما اتفقت شركتا آرامكو السعودية وسينوبيك الصينية على توسيع شراكتهما في مصفاة يسرف النفطية بمقدار 1 إلى 1.5 مليار دولار وهو أكبر مشروع حالي للصين في المنطقة. وفي طهران تم توقيع 17 اتفاقية للتعاون في مجالات إنتاج وتوزيع الطاقة بالإضافة إلى التعاون الخاص في القطاع النووي، إلى جانب قطاعات أخرى كالتجارة والعلوم والنقل والبنوك والموارد البشرية والثقافة والجمارك والتعرفة الجمركية والاتصالات والإعلام. كما في حال السعودية، فإن تفاصيل الصفقات لم يعلن عنها للملأ ما عدا برنامجا لتعزيز التجارة تصل قيمته إلى 600 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، وهو زيادة بمقدار 10 أضعاف عما كانت عليه في 2015. بناء على ما سبق، بلغ مجموع الصفقات التي أعلنت عنها الصين في الشرق الأوسط 35 مليار دولار، أغلبها يتركز في مشاريع الصناعات والطاقة. بالإضافة إلى ذلك أعلنت الصين عن إنشاء صندوق استثماري مع الإمارات العربية المتحدة وقطر بقيمة 20 مليار دولار يستهدف تطوير قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتصنيع عالي المستوى. في غضون ذلك، وبما أن نصف واردات الصين من النفط الخام تأتي من الخليج العربي، فإن أي اضطراب يحصل في المنطقة له تأثيرات كبيرة على الصين اليوم. بشكل عام، صرح الرئيس الصيني بوضوح بأن اهتمام الصين بالمنطقة يتزايد، لكن تدخلها سيبقى مقتصرا على القطاع الاقتصادي. هذا و قد تجنب الرئيس الصيني بحذر أخذ صف أحد أطراف النزاعات في المنطقة. ومن الجدير بالذكر هنا أن الإمارات قد كانت ضمن برنامج زيارة الرئيس الصيني في البداية، لكن تم استبدالها لاحقا بزيارة إلى إيران. وفي سعيها لإضفاء نوع من التوازن، عبرّت الصين عن دعمها للحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران. على ما يبدو أن الموقف الحيادي الصيني المعتاد لا يريح دول الخليج، التي يمكنها الاستفادة من حليف قوي لتعويض تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، في وقت تصطف روسيا مع النظام السوري. بالتالي فإن غياب دولة قوية تقوم بدور الشرطي في المنطقة يزيد من حالة عدم اليقين في الشرق الأوسط.
|