أشار تقرير نشرته «نيويورك تايمز» إلى أنه كان من البديهي بالنسبة للاقتصاد الأمريكي أن يعاني مع ارتفاع أسعار النفط، بينما يتجه للانتعاش خلال فترات هبوط سعر الخام.
وأوضح التقرير أن هبوط أسعار النفط بشكل حاد خلال العامين الماضيين فشل في تحقيق الفوائد الاقتصادية المعتادة لأكبر اقتصاد في العالم.
يتوقع العديد من المحللين الآن أن هبوط أسعار النفط لا يدعم الناتج المحلي الأمريكي بشكل ملحوظ خلال العام الحالي، بعد تراجعه أدنى مستوى 27 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الماضي، قبل أن يتعافى نسبيا مرتفعا أعلى 30 دولارا يوم الخميس الماضي.
تسريح العمالة
- كان انخفاض النفط يمثل أمرا إيجابيا في دول العالم المتقدم ومنها الولايات المتحدة، حيث كان أثره يشبه خفضا في الضرائب على المستهلكين الذين يحصلون على نفس كميات الوقود مقابل أموال أقل.
- استفاد الاقتصاد الأمريكي من استيراد جزء كبير من النفط، حيث إن كل دولار يربحه المستهلكون في البلاد من هبوط النفط هو دولار يخسره المنتجون في الخارج، وهو ما كان يمثل مكسبا للاقتصاد الأمريكي.
- إلا أن هذه المرة يبدو الوضع مختلفا، حيث إن الخسائر الناتجة عن هبوط أسعار النفط كانت أكبر وأسرع من المتوقع، مع خفض الشركات لاستثمارتها، وقيامها بتسريح العمال، في الوقت الذي كانت فيه المكاسب أصغر وأبطأ بفعل اتجاه المستهلكين لادخار الأموال الفائضة.
- مع توقع بنك «جي بي مورجان» في يناير 2015 أن انخفاض أسعار النفط سوف يضيف 0.7 بالمئة لمعدل نمو الاقتصاد الأمريكي في عام 2015، فإنه الآن يتوقع انخفاض النمو بمعدل 0.3 بالمئة بسبب تراجع أسعار الخام.
- فيما يخص العام الجاري، توقع «جي بي مورجان» أن يؤدي هبوط أسعار النفط لزيادة قدرها 0.1 بالمئة في معدل نمو الاقتصاد الأمريكي، في حين يتوقع اقتصاديون في «جولدمان ساكس» أن يكون التأثير «صفرا».
- تسبب هبوط أسعار النفط في مشاكل أخرى أيضا، حيث أسهم في عملية تصحيح في الأسواق المالية أدت إلى هبوط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بحوالي 10 بالمئة منذ بداية العام الحالي.
- كما أثرت أسعار النفط المنخفضة سلبا على معدل التضخم، ما يهدد خطة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لزيادة معدلات الفائدة بنحو 1 بالمئة خلال عام 2016.
خسائر ومخاطر أميركية
- يرى «أندرو ليفين» أستاذ الاقتصاد في جامعة «دارتموث» أنه على البنك المركزي الأمريكي أن يأخذ في الاعتبار احتمالية حدوث انكماش اقتصادي، مع وجود حاجة ماسة لوضع خطط طوارئ تحسبا لهذا السيناريو.
- أضاف أن هناك صلة بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي، ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن الأسواق تتسم بعدم العقلانية، فإن ذلك قد يمتد أيضا إلى الاقتصاد.
- يشكك العديد من الاقتصاديين في احتمالية دخول الولايات المتحدة في مرحلة ركود اقتصادي، مع معدل نمو الوظائف، واستمرار قوة إنفاق المستهلكين.
- لكن لا يزال الكثيرون يعترفون بأن حجم التوسع الهائل في التنقيب عن النفط والغاز داخل الولايات المتحدة قد تسبب في تغيرات بتأثر الاقتصاد بأسعار الطاقة.
- تعرض منتجو الطاقة في الولايات المتحدة لخسائر حادة عقب الطفرة الأخيرة في قطاع استخراج النفط والغاز، مع هبوط حصة القطاع في الإنفاق الرأسمالي إلى 5 بالمئة حاليا، مقارنة بأعلى من 10 بالمئة خلال عامي 2012 و 2013.
- يرى «جون وليامز» رئيس الاحتياطي الفيدرالي في «سان فرانسيسكو» أن العالم قد تغير الآن عن تقديرات  البنك، مشيرا إلى أن عمليات التكسير الجديدة في صناعة النفط أصبحت أسرع من حيث الإنشاء والإغلاق مقارنة بأنواع استخراج النفط الأخرى، ما جعل رد فعل الصناعة تجاه هبوط الأسعار أسرع من توقعات المحللين.
- تتراجع دلائل حدوث انعكاس وشيك في اتجاه أسعار النفط، حيث ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الإنتاج الثابت وهبوط الطلب قد يؤدي لمزيد من الخسائر في أسعار الخام، مع وجود تخمة في المعروض من الخام
ادخار بدل الاستهلاك
- في الولايات المتحدة، تسببت الزيادة في إنتاج النفط والغاز في تقليل الاعتماد على الواردات، وهو ما جعل حصة أكبر من المستهلكين تدخر فائض الأموال مع حقيقة أنها جاءت على حساب المنتجين المحليين، وهو ما تسبب في تقليص فوائد هبوط أسعار الخام.
- ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن 27 بالمئة فحسب من إجمالي المواد البترولية المستهلكة في الولايات المتحدة خلال عام 2014 جاءت من خارج البلاد، وهي أقل نسبة منذ عام 1985.
- كما أشارت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» إلى أن ارتفاع حصة الادخار من دخل الأمريكيين تسبب في تراجع الفوائد الاقتصادية لهبوط أسعار النفط، مع صعود المدخرات  الشخصية بنحو 120 مليار دولار منذ منتصف عام 2014، ما يساوي تقريبا الوفورات من هبوط الخام.
- أشارت دراسة لإنفاق بطاقات الائتمان صادرة عن «جي بي مورجان» إلى أن الأمريكيين أنفقوا جزءا كبيرا من فائض هبوط أسعار الوقود لشراء مزيد من البنزين.
- يرى بعض المحللين دلائل على أن المستهلكين يدخرون بسبب خوفهم، أو اتجاههم لسداد جزء من الديون العالية الخاصة بهم، بينما يبدي آخرون تفاؤلهم بأن سبب عدم استجابة الإنفاق لهبوط النفط هو انتظار المستهلكين للتأكد من استمرارية هذا التراجع.
- يعتقد خبير اقتصادي في «دويتشه بنك» أن انخفاض أسعار النفط كان له أثر سلبي سريعا على قطاع الطاقة، في حين أن الآثار الإيجابية لهذا الهبوط تظهر متأخرة في باقي قطاعات الاقتصاد، مشيرا إلى أن الأسوأ قد مر بالفعل.
- بينما قال «جيمس بولارد» رئيس الاحتياطي الفيدرالي في «سانت لويس» إن إنفاق المستهلكين بدأ في الارتفاع بدرجة أسرع مؤخرا، معتبرا ذلك دليلا على أن هبوط النفط سوف يؤثر إيجابيا على نمو الاقتصاد.
فشل خطط الفيدرالي؟
- رغم توقعات «بولارد» المتفائلة لأثر هبوط النفط على الاقتصاد الأمريكي، فإنه يحذر أيضا من أنه قد يسبب مشاكل طويلة الآجل على توقعات التضخم في البلاد.
- يهدف الاحتياطي الفيدرالي لزيادة معدل التضخم لمستوى 2 بالمئة، مع السعي للحفاظ على ثقة المستهلكين في قدرته على الوفاء بهذا المستهدف، مع حقيقة أن التوقعات تمثل دورا هاما في تحديد وتيرة التضخم.
 - إلا أن الواقع يشير إلى هبوط معدل التضخم أدنى المستهدف منذ الأزمة المالية العالمية، مع إشارة مسح أجراه الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى هبوط توقعات التضخم خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 2.8 بالمئة مقابل تقديرات سابقة بـ 3.3 بالمئة.  - تشير التقديرات إلى أن توقعات المستثمرين حيال اتجاه الفيدرالي لزيادة الفائدة خلال مارس/آذار المقبل قد تراجعت إلى أقل من 30 بالمئة مقابل 50 بالمئة منذ أسابيع قليلة ماضية.