للمرة الخامسة، يلتقي رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وتركيا رجب طيب أردوغان، وإيران حسن روحاني، في إطار ثلاثي أستانة، بالعاصمة التركية أنقرة، الإثنين، من أجل بحث الأزمة السورية، التي وصلت مرحلة متقدمة مع سيطرة النظام السوري بدعم روسيا وإيران على معظم الأراضي السورية، وتراجع فصائل المعارضة المدعومة من تركيا إلى مناطق محدودة في إدلب ومحيطها.
وتركز هذه الجولة من المباحثات بين الدول الثلاث الأكثر فاعلية في الملف السوري على بحث مصير محافظة إدلب التي تعرضت لهجوم غير مسبوق طوال الأشهر الماضية، ومستقبل الحل السياسي النهائي في البلاد، لا سيما الإعلان عن تشكيل لجنة إعادة صياغة الدستور، وملفات اللاجئين، ونقاط المراقبة التركية، وغيرها.
وبحسب بيان الرئاسة التركية، سوف تبحث القمة الثلاثية الأزمة السورية، وبخاصة “سبل إنهاء الصراع في إدلب وشروط العودة الطوعية للاجئين وتوفير الظروف اللازمة لذلك”، إلى جانب “بحث موضوع نقاط المراقبة التركية ومحاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة وإيجاد حل سياسي دائم للوضع في سوريا”.
من جانبه، صرح مستشار الرئاسة الروسية لشؤون السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، بأن اللقاء سيتضمن مشاورات حول التطورات في سوريا، وتقييم تنفيذ الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها في موسكو، في إشارة إلى زيارة أردوغان الأخيرة التي خصصت للضغط على روسيا لوقف الهجوم على إدلب.
وعلى الجانب الإيراني، أعلن برويز إسماعيلي، مساعد شؤون الاتصالات والإعلام في مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن الأخير سيتوجه إلى تركيا للمشاركة في القمة الثلاثية، استمراراً للتشاورات بين الدول الثلاث الضامنة لعملية أستانة لحل الأزمة السورية.
وبينما تسعى روسيا للضغط على تركيا للقبول بحل عسكري ضد هيئة تحرير الشام في إدلب، تحاول أنقرة مجدداً إقناع موسكو بمنحها مزيداً من الوقت، والحفاظ على الوضع القائم في إدلب على ما هو عليه لحين تحقيق تقدم في الملف السياسي، والعمل على معالجة ملف الهيئة تدريجياً بعيداً عن الحل العسكري الشامل.
وتقول تركيا التي تصنف هيئة تحرير الشام على أنها “منظمة إرهابية” إنها تتفق مع روسيا على ضرورة محاربة الإرهاب، لكنها تعارض الهجوم العسكري الشامل وارتكاب المجازر ضد المدنيين، كما أنها رفضت الضغوط الروسية بتنفيذ عملية مشتركة أو الدخول في حرب منفردة ضد الهيئة؛ على اعتبار أن ذلك سيكون بمثابة أكبر خدمة للنظام السوري.
وإلى جانب ذلك، تعمل تركيا من أجل الحفاظ على خريطة السيطرة الحالية وعدم القيام بأي تغيير على خريطة انتشار نقاط المراقبة في إدلب ومحيطها، والتي تعرضت مراراً خلال الهجوم الأخير لقصف جوي وبري من قبل النظام السوري، وباتت إحدى هذه النقاط (مورك) محاصرة في المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً في ريفي إدلب وحماة.
وفي نهاية القمة، تهدف روسيا للخروج بنتائج واضحة تتعلق بالإعلان فوراً أو خلال أيام قليلة عن لجنة إعادة صياغة الدستور المتعثرة منذ أشهر طويلة، والاتفاق على آلية واضحة لفتح وتأمين وتفعيل الطرق الدولية، لا سيما المناطق التي تمر من إدلب ومحيطها، إلى جانب التوصل إلى صياغة آلية معينة مع تركيا للقضاء على هيئة تحرير الشام والحد من نفوذها في إدلب.
في المقابل، تهدف تركيا إلى تثبيت وقف إطلاق النار الهش المطبق منذ أيام في إدلب، وضمان وقف الغارات الجوية والهجمات البرية للنظام وروسيا، إلى جانب التأكيد على بقاء نقاط المراقبة التركية في أماكنها، والتوصل لصيغة لإبعاد النظام عن نقطة المراقبة المحاصرة في مورك.
ويتوقع أن تتساهل تركيا مع المطلب الروسي بتسريع الإعلان عن لجنة إعادة صياغة الدستور، كما يتوقع أن تنجح روسيا بالتوصل لصيغة لفتح الطرق الدولية، وإن كان ذلك بشكل تدريجي، كونها متسلحة بالتقدم البري المهم الذي حققه النظام في الهجوم الأخير عقب السيطرة على خان شيخون ومناطق ريف حماة، لكن تبقى نقطة الخلاف الرئيسية تتعلق بمصير ما تبقى من إدلب وما يتعلق بـ”الحرب على الإرهاب” المختلف على تعريفه بين الجانبين.
ومن ضمن السيناريوهات المطروحة، لا يتوقع الإعلان عن توقيع اتفاق جديد بين روسيا وتركيا حول إدلب، وإنما الإعلان عن تفعيل اتفاق سوتشي أو تعديله في إطار تفاهمات تتعلق ربما بانسحاب النظام من خان شيوخ ومورك وإبقائهما تحت سيطرة دوريات روسية وتركية، والإبقاء على نقاط المراقبة التركية في مواقعها، والحصول على تعهدات تركية جديدة بالعمل على فصل العناصر المتطرفة عن فصائل المعارضة المعتدلة في إدلب.
وفي مقابلة مع رويترز، نشرت الجمعة، شدد أردوغان على أن انسحاب القوات التركية من نقاط المراقبة العسكرية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، شمال غربي سوريا، أمر “غير وارد في الوقت الراهن”، وقال: “تركيا لا تحاور سوريا (النظام) فيما يخص نقاط المراقبة البالغ عددها 12 نقطة، بل تنسق مع روسيا بشكل رئيسي وجزئياً مع إيران”.
وبينما اعتبر أردوغان أن “النظام يفعل حالياً في إدلب ما فعله سابقاً في حلب”، أكد أن تركيا “تولي أهمية للحفاظ على وضع إدلب كمنطقة خفض توتر”، وأنها ملتزمة باتفاق سوتشي المبرم مع روسيا في 17 سبتمبر/أيلول 2018، مطالباً الجميع بالالتزام بهذا الاتفاق، محذراً من أن استمرار هجمات النظام على إدلب “يعرض مسار الحل السياسي لخطر الانهيار”، وهو التهديد الأبرز الذي ما زال في يد تركيا للضغط على روسيا، التي تسعى عقب كل جولة قتال إلى اتفاق مرحلي، قبل أن تعود لتفعيل الخيار العسكري وقضم مزيد من أراضي المعارضة التي باتت محصورة جداً في ما تبقى من إدلب فقط.