وعلى الضفة الأخرى من الخليج كانت ناقلتا النفط، "فرونت ألتاير" التي ترفع علم جزر المارشال، و"كوكوكا كوريجس" التي ترفع علم باناما، تستعدان لمغادرة مينائي الجبيل في السعودية والرويس في الإمارات، الأولى باتجاه سنغافورة والثانية إلى تايوان.

بالنسبة لطاقمي الناقلتين كان يوما عاديا يشبه كل أيام الإبحار على طولها. لم يكن لدى أحد أدنى فكرة عما ينتظرهم في نقطة ميتة من خليج عُمان.

جلس رئيس الحكومة الياباني آبي ينتظر قدوم المرشد الإيراني في ذات الغرفة التي كان خامنئي إستقبل فيها قبل أشهر قليلة الرئيس السوري بشار الأسد وغيره من الشخصيات التي زارت طهران في الفترة الماضية، لكنه بين الجميع سيكون الوحيد الذي يحمل إلى قائد الثورة الإسلامية، كما يوصف في بلاده، رسالة من رئيس الولايات المتحدة الأميركية، كما سيكون ثانيا من أسرة آبي الذي يلتقي خامنئي في وساطة بعدما كان والد شينزو، وزير الخارجية الياباني الأسبق شيناترو آبي قد إلتقاه رئيسا في العام 1983 للتوسط في محاولة إنهاء الحرب الإيرانية العراقية.

حينها كما الآن، كانت اليابان إلى جانب دول أخرى تعتمد بالدرجة الأولى على نفط المنطقة واستقرارها وتريد أن تجد حلاّ للأزمة كي تضمن استقراراً في إمدادات وأسعار النفط لأن لهذا انعكاس على اقتصادها.

كانت ناقلتا النفط تتحركان بهدوء بعد قطعهما مضيق هرمز وفجأة تبدأ نداءات الاستغاثة بالتردد على موجهات موانئ عمان والإمارات وإيران والبحرين، هجوم المتفجرات يحوّل يوم الطاقمين العادي إلى يوم لن ينسوه أبدا.

كان المرشد خامنئي يتحدث مع آبي، ولأول مرة خلال لقاء له مع زعيم أجنبي توثق الكاميرا محادثاته وجوابه إلى ترامب عبر آبي والتي حملت رفضا لتبادل الرسائل ورفضا لإعطاء إجابة.

ولعل واقعية آبي ودقته دفعتاه إلى تدوين ما كان المترجم ينقله إليه عن لسان خامنئي والذي حوّل بقية رحلة أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى إيران بعد 1979 إلى جولة سياحية أخذته إلى المتحف في شارع 30 تير.

رسالة إلى إيران

في الولايات المتحدة كانت الساعة مبكرة جدا للتفاعل مع الخبر، لكن القيادة الوسطى التي تتخذ من منطقة الشرق الأوسط مقرا لها كانت هي التي تعاملت منذ البداية مع نداءات الاستغاثة وحاولت تقديم المساعدة للأطقم المصابة.

خلال الساعات اللاحقة، خرج وزير الخارجية الأمريكي بومبيو متهما إيران بالمسؤولية عن الحادث، ثم غرّد الرئيس الأمريكي مكررا موقف وزير خارجيته، ولاحقا أصدرت القيادة الوسطى بيانا إتهمت فيه إيران ولكنه أشارت إلى أنها لا تريد التورط في حرب في المنطقة وأنها ستدافع عن مصالحها لكن لا تريد الدخول في حرب مع إيران لأن هذا ليس في صالح الولايات المتحدة والعالم.

بدا وكأن أمريكا توجه رسالة إلى إيران بأنها لا تريد للأزمة أن تتفاقم، لكن دقائق لم تمر على هذا البيان حتى نشر الجيش الأمريكي صورا قال إنها لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وهم يزيلون عبوات ناسفة كانت على هيكل السفينة وهو ما يجعل إيران متهمة بالوقوف خلف الحادثة.

 والآن، بعد الاتهام الأمريكي المباشر والمتوقع أصبح السؤال المطروح ماذا بعد؟

نفت إيران رسميا أي تورط لها في الحادثة، وهذا ما كتبه وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي وجه السهام باتجاه فريق "بي"، وهو يقصد به ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، محمد بن زايد، مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون ورئيس وزراء إسرائيل بنجامين نتنياهو. ظريف إعتبر أن هذا الفريق يقوم بعملية إستهداف ممنهج للمساعي الدبلوماسية في الوقت الذي يبرر فيه ما وصفه بالإرهاب الاقتصادي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية بحق إيران.

بيد أن نفي طهران لا يمنع تحولها إلى مشتبه أول في القضية مع لحاظ التهديدات الإيرانية السابقة بعرقلة تصدير أي نفط من المنطقة في حال عدم تصدير إيران لنفطها. وفي هذا الصدد يمكن القول إن المنطقة، وتحديدا مياه الخليج أضحت خاصرة رخوة وصندوق بريد لعملية التفاوض بالنار.

أسس تفاوض مختلفة

لإيران عناصر روايتها التي تنفي الوقوف خلف الحادثة، ولأمريكا أسبابها أيضا لتوجيه الإتهام، ومن دون دليل ملموس لا يمكن لأحد حسم الحقيقة بشكل رسمي، بالتالي ستبقى حادثة خليج عمان وسابقتها في بحر العرب تحت تصنيف الهجمات اللقيطة، لكن ماذا بعد؟

لا يمنع التسليم بالاتهام الأمريكي لإيران بالمسؤولية، أو القبول بالنفي الإيراني حقيقة أن ممر الطاقة الأهم بات يفتقد للأمن، وأن دول العالم التي تعتمد على هذه المنطقة للتزود بالطاقة ستبدأ بعملية قراءة دقيقة للمرحلة المقبلة، فهي مهددة إما بفقدان خط حياة حيوي في أسوأ الحالات، وفِي أفضلها بتذبذب حركة الإمدادات وارتفاع الأسعار بناء على ارتفاع مبالغ التأمين على السفن والانعكاس الذي سيكون للوضع المتأزم على أسعار النفط.