لا يخفى على المتابعين للشأن الاقتصادي التضخيم الإعلامي لإيجابيات صفقة الاندماج بين بيت التمويل الكويتي (بيتك) والبنك الأهلي المتحد البحريني (المتحد) منذ الإعلان عنها، في ظل سيطرة أصحاب المصالح على الاعلام، رغم وجود الكثير من التحفظات أو التساؤلات المشروعة التي لا يجد المستثمر العادي اجابةً لها، يأتي هذا المقال انطلاقاً من الأمانة العلمية التي نحملها، وبحثاً عن الحقيقة والمهنية وحدها، واستشعاراً منا بالواجب الوطني، ونيابة عن الأغلبية الصامتة او المسلوب حقها والمحرومة من التعبير عن رأيها المهني من الأكاديميين والمختصين ومن عموم الشعب، ولذلك لن نتطرق لإيجابيات الاندماج لأنه اشبع بحثاً وتسويقاً، بل الهدف هو تسليط الضوء على أهم المخاوف المتعلقة بصفقة الاستحواذ، والتي سوف نحصرها في تسع نقاط جوهرية:
1. مصير الأرباح غير الإسلامية
تمثل الأرباح الإسلامية حوالي الثلث فقط من اجمالي أرباح الأهلي المتحد حسب اخر البيانات المالية، فيبدر التساؤل عن مصير الأرباح الغير إسلامية خلال فترة التحول التي تبلغ حالياً أكثر من 400 مليون دولار وتمثل حوالي الثلثين من اجمالي أرباح المتحد حسب اخر الإفصاحات؟ وما هي الية تطهير الأرباح؟ وما مصير الأرباح المحرمة في حال تعثر خطة التحول؟ وكيف سيؤثر ذلك على اجمالي أرباح الكيان الجديد وربحية السهم؟
2. استحالة الجزم بأن ربحية سهم بيتك ستزيد بعد الصفقة
 
من أبجديات الاستثمار ان التاريخ لا يعيد نفسه، ومن اول ما يدرسه الطالب في مبادئ التمويل أنه لا يمكن بناء قرارات مستقبلية بناء علي توقع تكرار الأرقام الموجودة في البيانات المالية فقط، مما يعني حسب ما تشير اليه اغلب الدراسات الاكاديمية انه لا يمكن بأي حال من الأحوال الجزم بان يستمر الكيان الجديد بتحقيق نفس الأرباح فقط من خلال تجميع البيانات البنكية للبنكين ، خصوصاً في ظل توقع تغير السياسات الإدارية وحتي التمويلية في المستقبل، فإن اصول المتحد يجب تحويلها وأسلمتها بعد الاستحواذ، ناهيك عن الفرق في جودة الأرباح والأصول والمخاطر بين البنكين، واختلاف القواعد الرقابية، لذلك يجب الإفصاح عن الالية التي سيستطيع المتحد من خلالها الحفاظ على هذه الأرباح بعد التحول إلى إسلامي، ان كل ما سبق ذكره يجعل من توقع ربحية الاندماج ليس بالبساطة المذكورة في التصريحات الاعلامية للجهات الاستشارية ومسوقي الصفقة.
3. المخاطر النظامية على القطاع المصرفي
 
اقتصاديا، يجب هنا الوضع في الاعتبار اهمية مبدأ ” الخطر النظامي”، وهو ان المخاطر الخاصة بالبنك سيترتب عليها مخاطر عامة تؤثر على الاقتصاد والنظام المصرفي ككل، بينما ينادي البعض بضرورة خلق كيان مصرفي إسلامي كبير، يغفل هؤلاء المخاطر النظامية التي تترتب على خلق كيانات مالية كبيرة، هي المشكلة التي يطلق عليها علماء الاقتصاد “too big to fail”، وتكمن المشكلة هنا في وجود مصرف كبير، حيث سيستحوذ الكيان الجديد على 23% من الحصة السوقية من اجم البنوك حسب إفصاحات البنكين وبيانات البنك المركزي، مما يجعل النظام المصرفي امام مخاطر أكبر من تعثر الكيان الجديد، مع تأكيد الدراسات الاكاديمية على ان عمليات الاندماج والاستحواذ تزيد من احتمالية وقوع المخاطر النظامية و الأمنية والتقنية على النظام المالي.
يأتي ذلك في ظل سعي بيتك لزيادة جودة الأصول، فالبنك يملك حاليا حصة كبيرة من محفظة القروض المتعثرة إذا ما قارناها بباقي البنوك المحلية، حتى في ظل نجاحه في خفض نسبة الديون المتعثرة (npl ratios) مازال اجمالي رصيد المخصصات للبنك يبلغ 619.6 مليون دينار، ومازال البنك منكشف بشكل لا يخفي على المتابعين على القطاع العقاري، كل ذلك يجعل النظام المالي المحلي عرضه لمخاطر أكبر امام الايمان ب too big to fail.
4. إشكاليات عمليات التحول المصرفية من تقليدية إلى إسلامية
 
في ظل وجود الكثير من تجارب التحول، يجب التأكيد علي زيادة صعوبة عملية التحويل مع زيادة حجم البنك وزيادة انتشار عملياته على جهات رقابية مختلفة، فالعملية ليست سهلة خصوصاً على بنك في حجم الاهلي المتحد، ولا يمكن مقارنتها بتحول فرعه الكويتي، وفي البنك الاهلي السعودي والبنك التجاري خير مثال على صعوبة عملية التحول هذه على الرغم من اعلانهما نوايا التحول منذ سنوات.
ان فشل او على الاقل زيادة المدة المطلوبة لتحول الاهلي المتحد إلىبنك اسلامي من الممكن أن تؤثر على مساهمي بيتك خصوصاً في ظل عدم وجود خطة واضحة ولا جدول زمني او موافقات رسمية، وما هي خطة بيتك في حال امتدت عملية التحول لسنوات طويلة؟
ناهيك عن الصعوبات التي قد يواجها بيتك في تحويل فرع الأهلي المتحد في مصر الي إسلامي في ظل اختلاف آراء الهيئات الشرعية في مصر عن منطقة الخليج، واختلاف قواعد المركزي المصري في هذا الجانب، فهل يسمح القانون المصري للبنك بالتحول إلى إسلامي بحسب تعريف الهيئات الشرعية المعتمدة من الجهات الرقابية في الكويت؟
مما سبق نطرح تساؤلا مشروعا ً: هل الأهلي المتحد هو أفضل الخيارات المتاحة لبيتك في ظل دراسته لأكثر من عشرين فرصة استثمارية؟
 
5. سوق التمويل الإسلامي المحلي
 
عند الحديث عن الفوائد يجب التفريق بين الملاك والعملاء والمنافسين ، فممكن ان يكون الاستحواذ من مصلحة الملاك، لكن يضر العملاء ويضعف المنافسة في القطاع،حيث ان البنك الجديد سيستحوذ على 66% من الحصة السوقية لقطاع البنوك الإسلامية حسب الارقام المعلنة من بنك الكويت المركزي، فبعد عملية الدمج، من المتوقع ان تتقلص الخيارات امام العملاء، وهذا سيلغي فرص التنافس العادل والشريف الذي يستفيد منه العميل في المقام الاول والأخير، ان خلق كيان بهذا الحجم سيعمل على اضعاف روح المنافسة والابداع للبنوك الاصغر حجما، ربما نشهد انخفاضا في جودة الخدمات للبنوك الاخرى وارتفاعا في قيمة التكاليف، مما سيصعب عملية المنافسة على البنوك الاسلامية الأخرى، وبالأخص بنك وربة وهو الأصغر، والذي يمتلك فيه غالبة الشعب الكويتي، ويعود القطاع لسيطرة واحتكار بنك وحيد، أليس من الأجدر بنا دعم الكيانات الصغيرة وضمان منافستها في السوق من خلال ايجاد بيئة تنافسية عادلة، بل أليس من الأجدر تشجيع اندماجات البنوك الأصغر عوضا عن تسويق اندماج كيان كبير مثل بيتك مع الاهلي المتحد ؟
 
6. الانعكاسات السلبية على الاقتصاد المحلي
 
لا يخفى على الجميع الدور الكبير الذي يلعبه قطاع المصارف في خلق فرص عمل حقيقية وواعده لشباب هذا الوطن، فهو المشغل الأكبر في القطاع الخاص من خلال توفير اكثر من 14 الف وظيفة للكويتيين حسب اخر الإحصاءات، لكن زيادة الكفاءة في الغالب تعني تقليص في المصاريف، وبالتالي خسارة للوظائف، وفي تصريحات الإدارة التنفيذية لبيتك ان الصفقة ستكون متمثلة بعملية استحواذ مع دمج للعمليات في الكويت والبحرين، مما يعني اغلاق فروع ودمج اقسام وخسارة الكثير من الموظفين لعملهم، وتقلص البدائل المتاحة امامهم في القطاع المصرفي، مع التأكيد على ان الكثير من الدراسات الأكاديمية تشير الي فشل البنوك في تقليص التكاليف وتحسين الخدمات بعد عمليات الاندماج والاستحواذ، وبل قد تؤدي في الغالب إلى زيادة اجمالي رواتب الإدارات التنفيذية، فكم وظيفة متوقع فقدانها خصوصاً للكويتيين في القطاع المصرفي؟
 
7. الشفافية والمهنية وأساسيات الحوكمة
 
من أولويات الحوكمة الرئيسية هي حماية حقوق جميع المستثمرين، والدعوة لترسيخ الشفافية من خلال إتاحة فرص متساوية للجميع، لكن هذه الصفقة منذ إعلانها كانت شحيحة في المعلومات، بل إن هذه المعلومات القليلة كانت متضاربة في بعض الأحيان، فالآثار المترتبة علي الاندماج تختلف عن الاستحواذ، طبقا لقواعد هيئة أسواق المال، إن سرية وقلة معلومات الصفقة بالإضافة لعدم الالتزام بالمواعيد المحددة للإفصاحات تفتح مجالاً واسعاً للتسريبات والتداولات بناء على معلومات داخلية، وتحرم أغلب المستثمرين من اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة في ظل غياب المعلومات الحقيقية خصوصاً مع وجود بعض الشبهات المتعلقة في تعارض المصالح، المتمثلة بوجود ملاك مشتركين للبنكين، جدير بالذكر أيضاً أن كثير من الدراسات الاكاديمية تؤكد أن الأسواق لا تستوعب أثر الروابط الاجتماعية على عمليات الاستحواذ، لذلك إن مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص يستوجب الإفصاح عن الآثار المالية للصفقة وانعكاساتها المستقبلية، وهذا ما نراه غائباً منذ الإعلان عن الصفقة.
 
8. المخاطر الجيوسياسية
 
هل يأخذ القائمون على صفقة الاندماج في الحسبان ما تمر به استثمارات الاهلي المتحد في دول غير مستقرة اقتصاديا وسياسيا، لا يمكن تجاوز تقارير جهات التصنيف الائتماني لدول مثل البحرين والعراق وليبيا، إن صفقة بهذا الحجم تستحق وضوحا وشفافية أكثر عن مدى المخاطر التي قد تواجه الكيان الجديد، وحجم انكشاف الأصول والارباح علي الاستثمارات في هذه الدول، خصوصاٍ في ظل غياب المعلومات الحقيقية وعدم الشفافية في البيانات المالية المفصح عنها، حيث ان البيانات المالية للأهلي المتحد لا تعين الباحث علي معرفة حجم هذه الأصول والتوزيع الجغرافي للأرباح، وبالتالي فان المستثمر العادي في حيره من أمره، ولا يمكنه معرفة اثار هذه الانكشافات في ظل عدم وجود بيانات كافية لاتخاذ قراراته الاستثمارية، وتجربة بيتك في السودان خير مثال علي المخاطر التي قد يواجهها البنك في الاستثمار في هذه الدول، حيث أن بيتك لا يزال يبحث عن طرق للتخارج واعادة اموال المستثمرين هناك، ونحن هنا على ثقة بدور البنك المركزي المستمر والمهني في الحفاظ على استقرار النظام المصرفي المحلي، والتأكد من جودة أصول كلا الطرفين، مع الحرص علي التأكد من خصم أي من الأصول المسمومة في مرحلة الفحص النافي للجهالة.
 
9. حرمة وصيانة المال العام
 
أخيراً، الدولة هي أكبر مالك في البنكين ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لشؤون القصر، وفي ظل الصمت الرهيب والسلبية في اتخاذ القرار، ألا يحق لنا التساؤل عن موقف الدولة ممثلة بكل سلطاتها التنفيذية والرقابية من تقلص ملكية الدولة في الكيان الجديد؟ ومعرفة الإجراءات المتخذة لاتخاذ القرار في هذه الصفقة؟ وما هي إجراءات قياس وإدارة المخاطر والتحوط التي اتخذتها تلك الجهات للوصول إلى قرارها؟
وفي الختام، نود ان نؤكد اننا لسنا ضد فكرة الدمج من حيث المبدأ، ولا يمكننا انكار بعض الإيجابيات المتوقعة، لكن الأمانة العلمية تحتم علينا بيان المخاطر المتعلقة بمستقبل الاقتصاد الكويتي، لإيماننا بالمسؤولية المجتمعية لكافة جهات المجتمع المدني، فالهدف الرئيسي ليس إفساد الصفقة، او التكسب السياسي، انما المحافظة على النظام المالي من خلال تكريس الشفافية والمهنية والابتعاد عن الشبهات، وسلامة الإجراءات، مما يحفظ حقوق الجميع، ويصون مستقبل الكويت.
 

د. سعود أسعد الثاقب

عضو هيئة التدريس في قسم التمويل
كلية العلوم الإدارية - جامعة الكويت
althaqeb@cba.edu.kw - @salthajeb